حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تستغل كارثة حرائق الغابات الأسترالية

4 دقائق
عملة البيتكوين الخضراء

دمرت حرائق الغابات الأسترالية، التي اندلعت في شهر سبتمبر/أيلول 2019، أكثر من 17 مليون فدان فيما يسميه الخبراء أسوأ موسم للحرائق منذ عقود، وتشير التقديرات إلى وفاة 27 شخصاً ونفوق أكثر من مليار حيوان. وبينما يتصدى الأستراليون لتداعيات الكارثة من النزوح وفقدان المأوى والدخان الخانق وخسارة الأحبة فإن بقية سكان العالم يتابعون ذلك بفزع، ويشاركون صوراً مفجعة عبر الإنترنت تصور حجم الأضرار الناتجة، مثل ألسنة النيران، وحيوانات الكوالا التي تعرضت للحريق، وصورة ظلية لكنغر وسط منزل يحترق، ولكن ماذا عن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لحرائق الغابات الأسترالية؟

يسارع الناس في جميع أنحاء العالم لدعم رجال الإطفاء والناجين من خلال دفع الأموال، فقد جمعت حملة للتبرعات على موقع "فيسبوك" التي أنشأها الممثل الكوميدي الأسترالي سيليست باربر أكثر من 34 مليون دولار من أجل دعم جهود رجال الإطفاء، كما أن المشاهير، والأثرياء تبرعوا بثروات صغيرة لدعم جهود مكافحة الحرائق والتعافي. ونشرت العديد من الحسابات على "موقع "إنستغرام" تعهدات بالتبرع بدولار واحد لكل إعجاب أو تعليق أو مشاركة، ما أدى إلى جمع تلك الحسابات لملايين المشاركات والمتابعين خلال هذه العملية.

استغلال الحسابات الوهمية لحرائق الغابات في أستراليا

تكمن المشكلة في أن العديد من تلك الحسابات وهمية، فعندما تقع مأساة، يتطلع المحتالون إلى استغلال النوايا الطيبة التي تلي المأساة. لكن لحسن الحظ، هناك أيضاً أشخاص مقيمون يتابعون شبكة الإنترنت بدقة لوضع الأمور في نصابها. كان حساب @exposinginstascams (الذي كشف الحسابات الوهمية على موقع "إنستغرام") من بين أكثر حسابات الكشف عن الزيف نشاطاً، حيث تحقق من حملات حسابات "إنستغرام" المريبة، وقدم أدلة حول ما إذا كانت الحسابات حقيقية أم وهمية، فحدد ونشر العديد من الحسابات المشكوك فيها التي تسعى إلى الاستفادة مالياً من كارثة أستراليا.

على سبيل المثال، نشر حساب @australiasafety، أنه سيتبرع بمبلغ دولار واحد مقابل كل "إعجاب" يتلقاه على أحد المنشورات، وادعى أنه يقيم شراكة مع "شبكة ناشيونال جيوغرافيك"، وبعد أيام معدودة، كان لدى الحساب أكثر من 45 ألف متابع. لكن بعد تواصل نيكو، الشخص الذي يدير حساب @exposinginstascams، مع "شبكة ناشيونال جيوغرافيك" مباشرة، اكتشف أنها لم تكن تقيم شراكة مع @australiasafety وكتب منشوراً على حسابه المذكور أعلاه يشكك في صحة الحساب. وقد تم حذف الحساب الوهمي في اليوم ذاته.

لقد تواصلت مع مُنشئ الحساب عبر رسائل "إنستغرام"، واستجاب نيكو، الذي يقول إنه يبلغ من العمر 15 عاماً في سان دييغو، على الفور. يقول نيكو إنه تم حذف ثلاثة من الحسابات التي أبلغ عنها حتى الآن، وهي @australiasafety و@prayforstraya و@thewildfund، وهو يتحقق من الحساب الرابع @plantatreeco. ويضيف: "يمكن أن يكون "موقع إنستغرام" مربحاً للغاية عندما يتعلق الأمر بالإعلانات وبيع الحسابات، حيث يستخدم الناس الأساليب العاطفية لحمل الآخرين على متابعتهم، ثم يتمكنون بسهولة من جني مكاسب كبيرة من خلال استغلال القضايا العالمية". إلى جانب الحسابات الوهمية، هناك حسابات تلتزم حقاً بتعهداتها بالتبرع، وقد نشر نيكو حول ذلك أيضاً؛ ويبدو أن إحدى العلامات التجارية تبرعت بالفعل بمبلغ 5,000 دولار مقابل 5,000 مشاركة.

في بعض الأحيان تتحول تلك "المكاسب الكبيرة" إلى أموال حقيقية، على سبيل المثال أعدت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً عن فيديو يُظهر كنغراً، وقد انتشر ذلك الفيديو بسرعة كبيرة بعد أن أعيد نشره بواسطة حساب على "إنستغرام" مدعياً ​​أنه كان مقطع فيديو عن الحرائق الأخيرة. لقد حُذف الحساب بعد ذلك، لكن الحساب ذاته كان يبيع في السابق سلعاً معينة، ويبدو أن الفيديو ساعد في توجيه الزبائن المحتملين إلى بضاعته. يقول نيكو: "إن حساب @Plantatreeco يبيع المنتجات أيضاً، والمنتج البارز على موقعه الإلكتروني هو سوار خرز بسيط معروض للبيع بقيمة 19.95 دولاراً، بعد خفض ثمنه الذي كان يبلغ 29.95 دولاراً". هذا الحساب، الذي يضم أكثر من 500 ألف متابع، قيد الاستخدام منذ شهر مايو/آيار 2019 على أقل تقدير، وذلك استناداً إلى المنشورات المشار إليه فيها. ويحذر العديد منها المتابعين من أن الحساب وهمي، إذ تحدث سابقاً، بنهاية عام 2019، عن زراعة الأشجار في الولايات المتحدة، لكنني لم أر دليلاً على ذلك. (حاولت التواصل مع مُنشئ الحساب عبر "إنستغرام"، وكذلك من خلال موقعه الإلكتروني، ولكنني لم أتلق أي رد).

في حالات أخرى، فإن العائد المحتمل لإنشاء حساب وهمي هو التأثير، إذ قد يشعر المستخدمون بالإثارة بكل بساطة من رؤية منشوراتهم الخاصة تنتشر، أو يمكنهم في بعض الحالات جمع عدد كافٍ من المتابعين حتى تصبح حساباتهم مربحة بما يكفي لبيعها. هناك مواقع مثل "Insta$ale" أو "FameSwap"، حيث يمكن للمستخدمين الذين لديهم عدة آلاف من المتابعين عرض حساباتهم للبيع من خلالها، ثم السماح للمشتري بتغيير اسم المستخدم وإعادة توظيف الحساب، مع وجود جمهور جاهز. لا يمكنني الجزم بالأمر، لكن يبدو أن حساب @australiasafety كان واحداً من هذه الحسابات. يذكر نيكو أنه تم إنشاء الحساب بداية في شهر فبراير/شباط 2018، أي قبل فترة طويلة من اندلاع الحرائق في أستراليا، لذلك فإن الحساب كان له بالتأكيد اهتمام آخر في الأساس.

عمليات الاحتيال في موقع "إنستغرام"

تنتشر هذه الأنواع من عمليات الاحتيال بكثرة على موقع "إنستغرام"، ومعظم الحسابات المريبة التي يعثر عليها نيكو تتبع خدعة "ضع إعجاباً وشارك المنشور". على سبيل المثال، نشر حساب صورة معدلة على برنامج "الفوتوشوب" بدت وكأنها محادثة تقول فيها كايلي جينر إنها ستذهب إلى حفلة عيد ميلاد إحدى المعجبات إذا حصلت أختها على ثلاثة ملايين إعجاب، بينما ادعى آخر أنه حساب توظيف عارضات تابع لشركة "نورث فيس" (North Face). يقول نيكو إن الشيء الذي ألهمه لإنشاء حساب لكشف الاحتيال هو منشور أثار شكوكه، حيث ادعى صاحبه أن كلإعجاب سيؤدي إلى إزالة شيء واحد من القمامة في المحيط. ويقول: "كنت أتصفح قصص إنستغرام عندما رأيت أن هذا المنشور قد شاركه كل واحد من أصدقائي تقريباً. وقد نظرت إليه ودهشت لحقيقة وضوح زيفه".

عندما تتناقل الأخبار حدوث كارثة هائلة، فإن ماكينة الاحتيال تدخل في حالة نشاط. إذ يمكن أن تظهر حسابات جديدة (أو حسابات قديمة، تستخدم لأغراض أخرى لتلائم كارثة جديدة)، حيث الإبلاغ عنها إلى موقع "إنستغرام" يكون أشبه بلعبة "ضرب الخلد"، فكلما ضربته يعود ليظهر مجدداً. من خلال قضاء دقيقتين فقط في المرور عبر المنشورات التي تتضمن هاشتاج "#prayforaustralia" (دعواتكم لأستراليا)، وجدت ما لا يقل عن ثلاثة حسابات مريبة تدعي أنها تتبرع بمبلغ يصل إلى 10 دولارات لكل إعجاب، كما تابعت موجة من حسابات التبرع الوهمية كارثة حرائق غابات الأمازون وأزمة السودان. سألت نيكو عن سبب تصديق الناس لهذه الحيل، فقال: "يرغب الناس في المساعدة لكنهم يريدون من شخص آخر فعل ذلك نيابة عنهم؛ إنهم يريدون الشعور بمساهماتهم في هذا العالم".

لسوء الحظ، لا تترجم هذه النوايا الطيبة بالضرورة إلى مساعدة فعلية. وإذا كنت ترغب في دعم الجهود المبذولة للتعافي من الحرائق في أستراليا، فقد نشرت مؤسسة "بتر بزنس بيرو" (Better Business Bureau)، نصائح للتعرف على المؤسسات حسنة السمعة من أجل التبرع. كما أن وكالة "خدمة الإطفاء في المناطق الريفية في نيو ساوث ويلز" (New South Wales Rural Fire Service)، التي تحتضن رجال الإطفاء الذين يكافحون من أجل إطفاء الحرائق، تتلقى أيضاً التبرعات. بالإضافة إلى ذلك، تتلقى "الجمعية الملكية لمنع القسوة على الحيوانات في نيو ساوث ويلز" (New South Wales Royal Society for the Prevention of Cruelty to Animals) التبرعات، وتنشر على حسابها على "إنستغرام" معلومات حول جهودها الرامية لإنقاذ الحيوانات من الحرائق، هذا في حال شعرت أنك راغب حقاً في الإعجاب بشيء على "إنستغرام" أو مشاركته بعيداً عن استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لحرائق الغابات الأسترالية.