يقف المُعلم على المنصة أمام السبورة، يكتب شيئاً ما بالطبشور، ثم يلتفت إلى الطلاب ويشير لهم بأن يفتحوا كتابهم على إحدى صفحاته. يلبي البعض ما قاله المُعلم، ويرفعون أيديهم للمشاركة، ويتحدّث أحدهم إلى زميل له، بينما الثالث شبه نائم والرابع نائم بالفعل. هذا مشهد ممل من حياتنا القديمة.
تلك هي الصفوف الدراسية التقليدية التي كنا ندرس فيها، لكن غالباً لن يكون هذا شكل الصف الذي يدرس فيه أبناؤنا اليوم، بل تحوّلت سبورة الطبشور إلى سبورة إلكترونية، وتحول الكتاب الورقي إلى كتاب إلكتروني محمّلاً على حاسوب لوحي، وقد لا يكون الطالب موجوداً في الصف في المدرسة نهائياً، بل يحضر دروسه عبر شاشة حاسوبه من غرفة نومه. هذا المشهد الجديد في التعليم رسمته التكنولوجيا الحديثة. لم تتوقف الإضافات التي جاءت بها التكنولوجيا الحديثة هنا، بل يوجد ما هو أكثر من ذلك.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يثق الأطفال في أليكسا؟
أشكال التكنولوجيا الحديثة في التعليم
أصبح الطالب محور العملية التعليمية بعد دمج التكنولوجيا الحديثة في التعليم، ولم يعد المُعلم والكتاب المدرسي المصدرين الوحيدين للمعلومات، بل أضافت التكنولوجيا أشكالاً مختلفة وجديدة مثل:
التعلم عن بُعد
التعلّم عن بُعد هو أحد أشكال التعليم، ظهر منذ عقود مع ظهور الحواسيب والإنترنت، واكتسب أهمية أكبر مع التقدم السريع في وسائل الاتصال التي أتاحت للطلاب الفرصة لحضور الدروس التعليمية من أي بقعة جغرافية على هذا الكوكب، بالإضافة إلى التفاعل والمشاركة والدردشة مع الطلاب والمُعلم أثناء إعطاء الدروس.
ما سهّل عملية التعلم عن بُعد هو توفر المتطلبات الأساسية له بشكلٍ كبير، فهو يحتاج اتصالاً بالإنترنت، وحاسوباً أو جهازاً ذكياً مهما كان نوعه، وبرامج اتصال محمّلة على الجهاز. أضف إلى ذلك أنه بالإمكان تسجيل الدروس، ليحضر الطالب ما فاته منها، وقد تكون المادة الدراسية بأكملها مُسجلة ويحضرها الطالب في أي وقت يناسبه.
تُطبق هذه الطريقة في بعض المؤسسات التعليمية إلى جانب الحضور الفعلي للطلاب، أو قد تكون هي طريقة الحضور الوحيدة.
الحواسيب والأجهزة الذكية
في كثير من المؤسسات التعليمية، لم يعد اعتماد الطالب في الدراسة على الكتب، بل على الحواسيب والأجهزة الذكية. يحمّل الطالب جميع المواد الدراسية والمعلومات على حاسوبه أو جهازه الذكي، ما يسهّل عليه الوصول إليها متى شاء وأينما شاء.
أهم الفوائد التي يجنيها الطالب من استخدام الحاسوب أو الجهاز الذكي أنها أخف وزناً من حمل عدد كبير من الكتب، وتسهّل على الأطفال التعلم لكونها غنية بالوسائط المتعددة. وبالنسبة للمعلمين، تساعدهم الحواسيب على تقييم العملية التعليمية بكل سهولة.
اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر التحول الرقمي في التعليم مهماً في وقتنا الحالي؟
التخزين السحابي
كان استخدام الحواسيب في التعليم محدوداً في البداية بسبب صعوبة تبادل البيانات، أمّا مع تطوير التخزين السحابي أصبح بالإمكان ربط أجهزة المدرسة ببعضها باستخدام برنامجٍ عبر الإنترنت يحتفظ بالبيانات والمعلومات والوسائط المتعددة في السحابة. هذا يعني أن جميع المعلومات الموجودة على الخادم تصبح في متناول جميع الطلاب.
تعود تقنية التخزين السحابي بفائدة أخرى على التعليم، وهي السعر، فتخزين البيانات في السحابة أرخص بكثير من شراء أقراص التخزين.
الواقع الافتراضي
الواقع الافتراضي من أحدث التقنيات التي دخلت مجال التعليم، وأضافت إليه بُعداً جديداً ومميزاً، ومكّنت الطلاب من اكتساب المعارف بطريقة مختلفة. على سبيل المثال، يمكن للطالب ارتداء خوذة الواقع الافتراضي وزيارة المناطق النائية والتعرف على حضارة قديمة، أو حتى التجول بين الديناصورات أو الذهاب إلى الفضاء. كل هذا لم يكن متاحاً للطالب دون الواقع الافتراضي.
اقرأ أيضاً: ما فوائد استخدام الواقع الافتراضي في تدريب طلاب الطب ومتخصصي الرعاية الصحية؟
علم الروبوتات
يُعد علم الروبوتات من العلوم الحديثة والمطلوبة جداً في سوق العمل الآن، لذلك، تعمل العديد من المؤسسات التعليمية على إدخال علوم الروبوتات والآلات الذكية والبرمجة والطباعة ثلاثية الأبعاد في مناهجها التعليمية. تساهم هذه العلوم الحديثة في تعريف الطالب على تطبيقات عملية للمواد الدراسية وخاصة الهندسة والرياضيات.
اقرأ أيضاً: التحول الرقمي في التعليم العالي: كيف تستفيد الجامعات من التكنولوجيا الحديثة؟
فوائد دمج التكنولوجيا الحديثة في التعليم
من المؤكد أن استخدام التكنولوجيا في الفصل الدراسي له العديد من المزايا. وهذه بعض منها:
انخراط جميع الطلاب في العملية التعليمية
يجد بعض الطلاب صعوبة في التحدث أمام زملائهم في الفصل الدراسي، لذا قد يجدون في التعلم عن بُعد وعبر الأجهزة الذكية والحواسيب فرصة للانخراط والمشاركة في العملية التعليمية، إذ يشعرون بالراحة وثقة أكبر في التعبير عن أنفسهم كتابياً عند الانضمام إلى المناقشات في الدورات والدروس على الإنترنت، وقد يسهّل هذا عليهم التواصل مع زملائهم، وطلب المساعدة منهم.
زيادة التفاعل خلال الدروس
في الدروس التقليدية، يتلقى الطلاب المعلومات من الأستاذ، دون أن يتفاعلوا معه، ولا يحفظون سوى نسبة ضئيلة منها. أما حين يستخدم الأستاذ التكنولوجيا في الفصل، يزداد تفاعل الطلاب، كما تزداد نسبة المعلومات التي يحفظونها.
اتباع عدة أساليب تعليمية مختلفة
تختلف أساليب التعلم من طالب إلى آخر، واستمرار المُعلم بتقديم المعلومات بأسلوب واحد تقليدي لا يراعي الاختلافات بين الطلاب يؤدي إلى تراجع العملية التعليمية. الآن، وبمساعدة التكنولوجيا، أصبح بإمكان المُعلمين التنويع في أساليب تقديم المعلومات، وأصبح بإمكان جميع الطلاب التعلم بالطريقة التي يجدونها مناسبة لهم. على سبيل المثال، يفضّل بعض الطلاب أسلوب التعليم السماعي، لذلك يجدون في البودكاست والكتب الصوتية هي الأفضل بالنسبة لهم، أمّا من يفضّلون التعليم البصري، فهم يستمتعون حين يشاهدون مقطع فيديو توضيحي أو مجموعة من الصور. أمّا الطلاب الذين يفضّلون التعليم بمفردهم، فيتعلمون عن بُعد عبر الإنترنت.
اقرأ أيضاً: ما هي الإمكانات التي يقدمها عالم الميتافيرس في مجال التعلم؟
تعزيز دافع الطالب للتعليم
يستمتع الطلاب في وقتنا الحاضر باستخدام التكنولوجيا، لذلك، دمجها في التعلم يجعل منه عملية ممتعة، ويبقى الطلاب متفاعلين في الحصص المدرسية، وحتى الطلاب غير النشيطين يصبح التعليم بالنسبة لهم أكثر متعة.
إتاحة فرصة التعليم للجميع
تتبع المدارس جداول زمنية صارمة يجب على الطلاب اتباعها. لكن بوجود التكنولوجيا لن يُضطر الطلاب إلى اتباع تلك الجداول، بل سيدرسون بالتوقيت الذي يناسبهم، ويتقدمون بوتيرة مريحة بالنسبة لهم.
أيضاً، أتاح التعلّم الذاتي عبر الإنترنت الفرصة للعديد من الطلاب من حول العالم الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المؤسسات التعليمية الموجودة في مكان آخر بعيد عنهم. أيضاً تمكّن العديد من الطلاب ذوي الدخل المنخفض التعليم ذاتياً مجاناً أو بأسعار رمزية.
مساعدة المُعلمين في وظيفتهم
لا تقتصر فوائد دمج التكنولوجيا الحديثة في التعليم على الطلاب فقط، بل ساعدت المُعلمين أيضاً، فيمكن للمعلمين أن يستخدموا التكنولوجيا لإنشاء برامج تعليمية، أو وضع مناهج تعليمية تناسب طالباً ذا وضعٍ خاص مثلاً.
اقرأ أيضاً: أهم تطبيقات واستخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم
مساوئ دمج التكنولوجيا في التعليم
على الرغم من تلك القائمة الطويلة من مزايا دمج التكنولوجيا في التعليم، فإن لها عيوبها أيضاً:
يفقد الطلاب اهتمامهم بالتعليم
يجد الطالب معظم المعلومات التي يبحث عنها على الإنترنت أو في حاسوبه، لذلك قد يفقد الطالب الدافع نحو التعليم، وقد يعتقد أن ذهابه إلى المدرسة ليس أمراً ضرورياً لأنه سيجد كل معلومة يرغب في معرفتها بمجرد كتابة بضع كلمات عنها في مربع البحث على جوجل.
تعرقل الأعطال التقنية عملية التعليم
الحواسيب والأجهزة الذكية لها أعطال كثيرة، فإن كانت مهارات الطالب التقنية ضعيفة سيؤدي أي عطل بسيط في جهازه إلى عرقلة عملية التعلم، وتشتت الطالب عن المهمة الأساسية بالإضافة إلى شعوره بالتوتر.
فشل عملية التعليم
يمكن أن يفشل بعض الطلاب في الدراسة عبر الإنترنت، بسبب عدم وجود المُعلم أمامهم، لكي يحثهم على الاستمرار والدراسة.
اقرأ أيضاً: كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تعليم الأطفال؟
أثّرت التكنولوجيا على جميع جوانب حياتنا، والتعليم أحد هذه الجوانب، وبالتأكيد ستكون لها إيجابياتها وسلبياتها، لكن استخدامها في التعلم أمر لا مفر منه، والأمر كله متروك للطالب والمُعلم، فهما وحدهما من يجعلا دمج التكنولوجيا الحديثة في التعليم أمراً ذا فائدة أم لا.