إنسبيريشن 4: لماذا تُعد أولى بعثات سبيس إكس الخاصة بالكامل حدثاً مهماً؟

4 دقائق
التفاؤل بشأن رحلات الفضاء
مصدر الصورة: إنسبيريشن 4 / جون كراوس

عندما صدر فيلم (2001: أوديسة الفضاء) عام 1968، لم يكن حلم الاسترخاء في فندق فضائي واحتساء مشروب في أثناء مشاهدة الأرض وهي تسبح في الفضاء يبدو بعيداً. تعزز هذا التصور في أوائل ثمانينيات القرن العشرين عندما بشّر برنامج المكوك الفضائي (The Space Shuttle Program) بمستقبل يعج بالرحلات المتكررة والمنتظمة إلى المدار. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما صعد السياح لأول مرة إلى الفضاء في رحلات مدفوعة الأجر، بدأ الكثير من الناس يتساءلون متى يمكنهم أيضاً تحمل تكاليف رحلة إلى الفضاء.

كانت لدينا أعداد لا حصر لها من التصورات الحالمة لمستقبل يمكن فيه للأشخاص العاديين -ممن لا يعملون كرواد فضاء ولا تبلغ ثرواتهم مليارات الدولارات- السفر إلى الفضاء. ولكن على الرغم من كل لحظات التفاؤل تلك، لم تتحقق هذه الأحلام. وظل السفر إلى الفضاء، في معظم الأحيان، حكراً على رواد الفضاء المهنيين أو الأشخاص الأثرياء للغاية.

ومع ذلك -ونهمس هنا بحذر شديد- قد يكون هذا الأمر على وشك أن يتغير، وذلك بعدما أطلقت شركة سبيس إكس، يوم الأربعاء الماضي في الساعة 8:02 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، صاروخ فالكون 9 من قاعدة كيب كانافيرال في فلوريدا يحمل طاقماً مكوناً من أربعة أفراد، وهو نفس العدد الذي شارك في آخر مهمتين مأهولتين أطلقتهما الشركة التي يمتلكها إيلون ماسك، واللتان تعتبران في حد ذاتهما معلمتين تاريخيتين بارزتين. الفارق الرئيسي هذه المرة هو أنه لا يوجد بين الركاب أي رائد فضاء مدرب، فهم مواطنون عاديون ينطلقون على متن صاروخ خاص صنعته شركة خاصة، دون أي تواجد لوكالة ناسا.

تمت الإشادة بالمهمة التي تُعرف باسم إنسبيريشن 4 -أي الإلهام 4- باعتبارها لحظة فاصلة بالنسبة لرحلات الفضاء البشرية. فهذه أول بعثة خاصة بالكامل تنطلق إلى المدار، وقد تكفل الملياردير الأميركي الذي يعمل في مجال التكنولوجيا جاريد إيزاكمان بتكاليف الرحلة التي تُقدر بـ 200 مليون دولار، التي تهدف أيضاً إلى جمع الأموال لصالح مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في مدينة ممفيس.

ويسافر معه ثلاثة أشخاص ليسوا من أصحاب المليارات: هايلي أرسينو، مساعدة طبيب وإحدى الناجيات من مرض السرطان، وكريس سيمبروسكي، من شركة لوكهيد مارتن، الذي فاز صديقه بمسابقة على المقعد وأعطاه التذكرة، وسيان بروكتور، أستاذة علوم الأرض التي حصلت أيضاً على مقعدها في منافسة. وتقول لورا فورزيك من شركة أستراليتيكال للاستشارات الفضائية، إن "هؤلاء الأشخاص يمثلون الإنسانية. إنهم سفراء".

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يسافر فيها أشخاص لا يعملون كرواد فضاء إلى الفضاء. فخلال الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2009، دفع سبعة أشخاص ما يزيد عن 30 مليون دولار للمقعد الواحد للمشاركة في الرحلات المتجهة إلى محطة الفضاء الدولية على متن صواريخ سويوز الروسية. وفي الآونة الأخيرة، وتحديداً في شهر يوليو من هذا العام، قام المليارديران ريتشارد برانسون وجيف بيزوس باثنين من الرحلات القصيرة دون المدارية في الفضاء، دامت كل منهما عدة دقائق، وذلك على متن مركبتين فضائيتين صنعتهما شركتيهما.

ومع ذلك، فلم يسبق للناس أن سافروا إلى المدار دون مساعدة ثرواتهم ودون إشراف وكالة فضاء وطنية مثل وكالة ناسا. ويقول جوناثان ماكدويل، خبير الرحلات الفضائية من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية، إن "هذه أول رحلة فضاء مدارية يديرها القطاع الخاص يكون جميع ركابها مواطنين عاديين. وبالمقارنة مع [الرحلات] دون المدارية، فإنها أكثر طموحاً بكثير".

وبدلاً من الالتحام بمحطة الفضاء الدولية كغيرها من مهمات شركة سبيس إكس المأهولة الأخرى، ستبقى المركبة الفضائية التي تحمل البعثة -وهي من فئة مركبات كرو دراجون- في المدار الأرضي لمدة ثلاثة أيام في حالة اندفاع ذاتي. وسيأكل الطاقم ويشرب وينام ويستخدم المرحاض داخل نطاق مركبتهم الفضائية، المسماة كرو دراجون ريزيليانس، التي يقارب حجمها ثلاثة أضعاف الحجم الداخلي لسيارة كبيرة. ولإبقائهم مشغولين، تم تحويل منفذ الالتحام في المركبة الفضائية -الذي يستخدم في العادة لربطها بمحطة الفضاء الدولية- إلى قبة زجاجية، ما يوفر للطاقم إطلالة بانورامية رائعة على الأرض والكون الواقع خلفها.

فيما عدا ذلك، فإن أهداف البعثة محدودة. ثمة بعض التجارب العلمية المخطط إجراؤها، إلا أن أهم جوانب المهمة هو ما لن يحدث. وعلى وجه التحديد، لن يقود أي من أفراد الطاقم المركبة الفضائية مباشرة، بل سيتم التحكم فيها ذاتياً بمساعدة مركز التحكم على الأرض. ويوضح ماكدويل أن هذا ليس تغييراً بسيطاً، وأن هناك مخاطر تنطوي عليه. ويضيف: "هذه هي المرة الأولى التي في حال لم تعمل فيها الأنظمة الآلية، فقد نكون في ورطة حقيقية. ويدل هذا الأمر على الثقة المتزايدة في برمجيات وأنظمة التحكم الآلي التي تسمح لك بنقل السياح دون مرافق". 

تتضافر كل هذه الأمور لجعل إطلاق إنسبيريشن 4 لحظة مثيرة في رحلات الفضاء البشرية، وإن كانت تلك المحاولة قد تمت تجربتها مبدئياً من قبل. ففي ثمانينيات القرن الماضي، كانت ناسا تأمل في بدء شيء مشابه، ألا وهو برنامج "المشارك في الرحلة الفضائية"، الذي كان محاولة لإتاحة الفرصة لمختلف المواطنين العاديين للتحليق في الفضاء على متن مكوك الفضاء. ويقول آلان لادويج الذي قاد البرنامج: "كان هناك شعور بأن بعض رواد الفضاء متحفظين بعض الشيء في أوصافهم للرحلات. وكانت ناسا تريد أشخاصاً يمكنهم نقل التجربة بشكل أفضل، فاختارت معلماً وصحفياً وفناناً.

ومع ذلك، وصل البرنامج إلى نهاية مأساوية. فقد قُتلت أول مشاركة فيه -كريستا ماكوليف وهي معلمة من ولاية نيو هامبشاير- في انفجار مكوك الفضاء تشالنجر عام 1986، بالإضافة إلى أفراد الطاقم الستة الأخرين. تم إلغاء البرنامج ودخل برنامج المكوك الفضائي بأكمله في حالة ركود. وبعدما كان الخبراء يحلمون بأنه سينقل مئات البعثات سنوياً، لم تُجر سوى 110 عمليات إطلاق أخرى فقط خلال السنوات الخمس والعشرين اللاحقة، إلى أن توقفت الرحلات المكوكية عام 2011.

في الوقت الحالي، ستظل غالبية الرحلات الفضائية حكراً على رواد الفضاء المهنيين أو الأشخاص الأثرياء للغاية. أما إذا لم تكن ثرياً، فستقتصر خياراتك على التقدم للمسابقات أو الأمل في الحصول على تذكرة من أحد المتبرعين الأثرياء، الأمر الذي قد لا يبشر بأن يكون مستقبل السفر إلى الفضاء عظيماً كما تخيل الكثيرون.

بيد أن إنسبيريشن 4 تظهر أن ثمة فرصاً متاحة للمزيد من الأشخاص "العاديين" للذهاب إلى الفضاء، وإن كانت فرص قليلة ومتباعدة. ويقول جون لوجسدون، مؤرخ الفضاء والأستاذ الفخري بمعهد السياسات الفضائية في جامعة جورج واشنطن: إنها علامة فارقة في إمكانية وصول البشر إلى الفضاء. بطريقة بسيطة للغاية، هذا يعني أن أي شخص يمكنه الذهاب".

صحيح أنك لن تحلق في الوقت الحالي على متن طائرة فضائية تابعة لشركة بان أميإنسبيريشنكان في طريقك إلى فندق فضائي عملاق (كما في فيلم 2001: أوديسة الفضاء)، ولكن من يدري ما قد يحمله المستقبل. وتقول لورا فورزيك: "هذا مجال جديد تماماً لا يزال في المهد، ونحن نشهد خطواته الأولى. ولا نعرف إلى أي مدى سوف يسير".