التغير المناخي يوسِّع الهُوَّة بين البلدان الفقيرة والبلدان الثرية

2 دقائق
مصدر الصورة: كريستوفر فورلونج/ غيتي إيميدجيز

توقعت دراسات كثيرة أن البلدان الفقيرة ستعاني من أشد الآثار المدمرة للتغير المناخي، ويشير تحليل جديد إلى أن هذا الأمر يحدث منذ عقود.

فخلال الفترة الممتدة من العام 1961 إلى العام 2010، أدى تزايد درجات الحرارة إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي للبلدان الأكثر فقراً في العالم بنسبة تتراوح من 17% إلى 31% وفقاً لدراسة نشرت مؤخراً في مجلة "وقائع أعمال الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية Proceedings of the National Academy of Sciences". وأدى هذا بدوره إلى توسيع الهوة في الناتج الاقتصادي بين البلدان الفقيرة والثرية بنسبة 25% أكثر مما سيحدث لو كنا "في عالم خالٍ من الاحترار العالمي"، مبطئاً من سرعة التحول الإيجابي المعاكس نحو تقليص التفاوت بين البلدان على مدى هذه السنوات الخمسين.

حدث كل هذا مع ارتفاع درجة مئوية واحدة وحسب في درجات الحرارة العالمية، ولكن التغيرات الأسوأ ما زالت بانتظارنا. فقد ترتفع حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول العام 2030، وبمقدار أكثر من 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، وذلك وفقاً للجنة المناخية في الأمم المتحدة.

ومن العوامل التي أدت إلى مفاقمة عدم المساواة هي معاناة البلدان التي أطلقت أقل قدْرٍ من ثنائي أكسيد الكربون من أسوأ التأثيرات الاقتصادية. فمن بين البلدان التسعة عشر الأكثر ثراء -حيث تتخطى كمية الانبعاثات التاريخية لكل شخص وفق التعداد السكاني الحالي عتبة 300 طن- استفادت 14 منها اقتصادياً حتى الآن. ووفقاً لنتائج باحثي ستانفورد في الدراسة، فقد زادت تلك البلدان من الناتج الاقتصادي بمتوسط 13% لكل شخص.

وقد أجرى الباحثون الدراسة بمقارنة معدلات النمو الاقتصادي خلال الفترة المدروسة مع نتائج النمذجة التي تحاكي عالماً لم ترتفع حرارته في العقود الماضية، وذلك وفقاً لنوا ديفينبو، عالم مناخ في ستانفورد شارك في تأليف البحث مع مارشال بورك.

وتعود معاناة البلدان الفقيرة من الآثار الأشد جزئياً إلى أنها تتركز في المناطق الأكثر حرارة في العالم، مثل أفريقيا وجنوب آسيا وأميركا الوسطى. وفي هذه الأماكن، يمكن أن يؤدي أدنى ارتفاع في الحرارة إلى انخفاض سريع في إنتاجية اليد العاملة وناتج المحاصيل الزراعية، مع ارتفاع في مستويات العنف والجريمة والانتحار والمرض والوفاة، وقد ظهرت هذه الآثار في الكثير من الدراسات، بما فيها دراسات سابقة لبورك. إضافة إلى ذلك، فإن نفس البلدان لا تمتلك في أغلب الأحيان الموارد المالية الكافية للاستثمار في الأدوات والبنى التحتية والبرامج اللازمة للتصدي لهذه الأخطار.

التأثير الاقتصادي للاحترار العالمي على بلدان العالم

من ناحية أخرى، فإن ارتفاع الحرارة بمقدار ضئيل فقط يمكن أن يدفع بالبلدان الباردة أو معتدلة الحرارة إلى قائمة البلدان ذات "درجات الحرارة الأمثلية التجريبية"، حيث ترتفع الإنتاجية والمحاصيل. وعلى سبيل المثال، فإن ارتفاع الحرارة في النرويج أدى على الأرجح إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي لكل شخص بنسبة 34% أكثر مما كان سيحدث في هذا البلد الاسكندنافي في عالم خالٍ من الاحترار، في حين تناقص هذا الناتج في الهند بنسبة 31% مقارنة بإنتاجها في عالمٍ خالٍ من الاحترار.

وبطبيعة الحال، لا يعني أيٌّ من هذا أن البلدان الثرية بأمان؛ حيث إن عدة مناطق في الولايات المتحدة تعاني من زيادة تكرار الأحداث الطقسية العنيفة التي تتعلق بالتغير المناخي إلى حد كبير، بما فيها الأعاصير وموجات الجفاف وحرائق الغابات. وقد استنتجت الكثير من الدراسات الأخرى أن الاحترار سيؤثر بشكل مدمر على اقتصاد أغلب البلدان في العقود المقبلة، على الرغم من أن بعض البلدان المتجمدة، خصوصاً كندا وروسيا، قد ينتهي بها المطاف في وضع اقتصادي أفضل.

ومع تحسن دقة النماذج المناخية، أصبح من الواضح أن آثار التغير المناخي ستكون متفاوتة بشكل كبير على مستوى البلد الواحد أيضاً. فقد وجدت دراسة في 2017 بقيادة سولومون سيانج في جامعة كاليفورنيا بيركلي أن المناطق الأكثر حرارة في جنوب الولايات المتحدة ستعاني أكثر من باقي المناطق من سيناريوهات ارتفاع مستويات الانبعاثات، مما سيؤدي إلى نقلة كبيرة في الثروة نحو الشمال والغرب، وزيادة التفاوت الاقتصادي في البلاد.

ولا شك في أن تفاوت العواقب الاقتصادية سيؤدي إلى زيادة التعقيدات السياسية في كيفية تعاون المناطق والبلدان معاً للتصدي للأخطار المحدقة بنا... أو كيفية رفضها لهذا التعاون.

المحتوى محمي