خلال العقد الماضي أفردت معظم الشركات موارد كبيرة وضخمة من أجل تطبيق استراتيجيات التحول الرقمي الذي كان يسير بوتيرة بطيئة نوعاً ما، ولكن أتت جائحة كورونا لتُسرع من تطبيق استراتيجياتها من أجل التحول الرقمي استجابة لاضطرابات أنظمة العمل والأعمال التي أفرزها انتشار الجائحة.
فوفقاً لمؤشر التحول الرقمي من شركة "ديل" (Dell) قامت ثماني مؤسسات من كل عشرة بالإسراع من أجل تطبيق برامج التحول الرقمي الخاصة بها في عام 2020، بحسب آراء أكثر من 4000 من قادة الأعمال على مستوى العالم، بالإضافة إلى ذلك ذكر 89% من هؤلاء القادة أن جائحة كورونا قد سلطت الضوء على الحاجة إلى بيئة تكنولوجية أكثر مرونة وقابلية للتوسع.
ما أهمية التحول الرقمي لنمو الشركات والأعمال؟
يشير مصطلح التحول الرقمي إلى دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع مجالات الأعمال، وتنتج عنه تغييرات أساسية في الطريقة التي تعمل بها الأعمال التجارية. تستخدم الشركات هذه العملية لتحسين قدراتها التجارية والكفاءات التشغيلية وتجارب عملائها في نهاية المطاف، بالإضافة إلى إعادة تصميم أو إعادة توظيف أو تغيير العلامة التجارية لأعمالها لتكون أكثر كفاءة وربحية، ومن ثم إذا تعاملت الشركات مع التحول الرقمي بطريقة منظمة وفي الوقت المناسب فيمكنها جني الفوائد التي يمكن أن تمنحها ميزة تنافسية تميزها عن شركات أخرى.
لذا فإن التحول الرقمي في الوقت الراهن ليس خياراً، بل هو استراتيجية عمل أساسية يجب أن تتوفر في كل جزء من المؤسسة من شأنها أن توفر تعاوناً أفضل وطرقاً أكثر تخصيصاً لمشاركة العملاء، وابتكار وإنتاجية أعلى للموظفين، ورؤى أكثر دقة لاتخاذ القرارات.
وجميعها تساعد الأعمال التجارية على النمو من خلال الاستفادة من أتمتة سير العمل والمعالجة المتقدمة، مثل إدخال تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي التي تتيح للشركات العمل بمرونة وسرعة وكفاءة.
اقرأ أيضاً: ما الذي تحتاج الحكومات إلى معرفته من أجل تحديد أهداف تحولها الرقمي؟
أسباب تجعل التحول الرقمي ضرورة لنمو الشركات
هناك الكثير من الأسباب التي تجعل التحول الرقمي ضرورياً لأي عمل يتطلع إلى النمو والبقاء في صدارة المنافسة، فوفقاً لدراسة أجرتها شركة "ماكينزي" McKinsey فإن الشركات التي تتبنى استراتيجيات رقمية تتفوق في الأداء نسبياً، مع عوائد أعلى بنسبة 75٪ على الأصول.
لذا من الضرورة أن نفهم التحول الرقمي على أنه عملية حتمية يتعين على جميع الشركات أن تمر بها، حيث يؤدي تجاهلها إلى تفوق المنافسين والتخلي عن الفرص المحتملة لمزيد من النمو.
1- تعزيز جمع البيانات وتحليلها
تجمع معظم الشركات كميات ضخمة من البيانات الخاصة بالعملاء، وينشئ التحول الرقمي نظاماً لجمع البيانات الصحيحة ودمجها بالكامل مع ذكاء الأعمال على مستوى أعلى. ولكن الفائدة الحقيقية تكمن في استغلال هذه البيانات وتحليلها بطريقة يمكن أن تدفع الشركة إلى الأمام.
حيث تُنشئ البيانات طريقة يمكن من خلالها للوحدات الوظيفية المختلفة داخل المؤسسة ترجمة البيانات الأولية إلى رؤى واضحة، ومن خلال القيام بذلك ينتج مسار واضح لرحلة العميل والعمليات والإنتاج والتمويل وفرص العمل.
لذا من الأهمية بمكان تقييم كيفية جمع هذه البيانات وتخزينها وتحليلها ومشاركتها كجزء من هذه العملية. وذلك من خلال التأكد من حماية البيانات الحساسة التي تتدفق من وإلى برنامج "إدارة علاقات العملاء" (CRM) والأنظمة الأساسية الأخرى.
وأثناء تقييم رحلة العميل كجزء من التحول الرقمي، يجب أن يُوضع في الاعتبار كيفية منح العملاء قدراً أكبر من السيطرة على بياناتهم واستقلاليتها، حيث يدرك المستهلكون ويقلقون بشكل متزايد حول كيفية جمع بياناتهم واستخدامها، لذا من الأهمية بمكان أن تبرز المؤسسة احترامها لبياناتهم من خلال تطبيق ممارسات خصوصية قوية وواضحة وشفافة.
اقرأ أيضاً: قرصانة رقمية تسرق البيانات الشخصية لمائة مليون من عملاء كابيتال ون
2- تجربة أفضل للعملاء
تعتبر "تجربة العملاء" (Customer experience) هي ساحة المعركة الجديدة للعلامات التجارية، حيث تذكر مؤسسة "جارتنر" (gartner) للأبحاث في دراسة لها أن أكثر من ثلثي الشركات تقول إنها تتنافس في الغالب على تجربة العملاء.
بينما تُفيد شركة الاستشارات التقنية "أكسينتشر" (Accenture) بأن تجربة العملاء برزت كمحرك رئيسي لنمو الأعمال المستدام، حيث يقترح خبراؤها أن زيادة ولو بنقطة واحدة في درجات تجربة العملاء يمكن أن ينتج عنها ملايين الدولارات على أساس النمو السنوي.
لذا فإن العملاء عادةً يتوقعون الكثير من التجارب الرقمية مع المنتج، خاصة مع اعتيادهم على الاختيار اللامتناهي والأسعار المنخفضة والتسليم السريع، ومن ثم على الشركات أن تضع في اعتبارها كيف يمكن للتحول الرقمي أن يطلق العنان للكفاءات في فرق العمل، بالإضافة إلى توفير تجارب أكثر سلاسة وبديهية للعملاء.
ويبدأ تحسين التجربة من اتصالات البريد الإلكتروني إلى بوابات المستخدمين والمنتجات الرقمية، وتتمثل إحدى طرق تمييز العلامة التجارية عن المنافسين في إظهار التقدير لخصوصية العملاء من خلال منح العميل القدرة على التحكم في كيفية جمع بياناته واستخدامها، وإعطائه قدراً من الاستقلالية لاتخاذ قرارات بشأن بياناته.
اقرأ أيضاً: في عصر مغامرات الذكاء الاصطناعي: كيف تكسب البنوك ثقة عملائها وتقدم تجربة عملاء فريدة؟
3- تشجيع الثقافة الرقمية
يشجع التحول الرقمي الثقافة الرقمية من خلال تزويد أعضاء الفريق في المؤسسة بالأدوات التكنولوجية المناسبة المصممة خصيصاً لبيئتهم. وبالإضافة إلى توفير هذه الأدوات طريقة أكثر سلاسة للتعاون، فإنها تساعد أيضاً في دفع المؤسسة بأكملها إلى الأمام رقمياً.
ويعد هذا التحول في الثقافة الرقمية أمراً حاسماً للشركات والمؤسسات لتبقى مستدامة، بالإضافة إلى فرض رفع المهارات والتعلم الرقمي لأعضاء الفريق للاستفادة من فوائد التحول الرقمي مما يعود بالفائدة على الشركة أو المؤسسة على المدى القصير والطويل.
ومن ثم يمكن أن يؤدي امتلاك الأدوات التكنولوجية المناسبة التي تعمل معاً على تبسيط سير العمل وتحسين الإنتاجية، من خلال أتمتة العديد من المهام اليدوية ودمج البيانات في جميع أنحاء المؤسسة، إلى تمكن أعضاء الفريق من العمل بكفاءة أكبر.
اقرأ أيضاً: هل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً لوظائف البشر؟
4- المزيد من الرؤى المستندة إلى البيانات
عندما تصبح معظم عمليات الشركة رقمية، فإن هذا من شأنه أن يجعل عملية اتخاذ القرار بناءً على البيانات التي تم جمعها سهلاً، حيث يمكن تتبع المقاييس وتحليل البيانات التي يتم تجميعها أثناء جهود التسويق الرقمي لمنتجات الشركة.
وتعتبر البيانات التي تجمعها طرق التسويق الرقمية أكثر موثوقية من القنوات التقليدية أو غير الرقمية، حيث توفر الأساليب الرقمية تفسيرات واضحة من خلال تحليل بيانات العملاء المهتمين حقاً بدلاً من مجرد تقديم اقتراحات نوعية.
وباستخدام هذه البيانات الواقعية يمكن للشركات تحسين حملاتها والنتائج من الحملات التسويقية. ومن خلال دمج الرؤى المستندة إلى البيانات الموثوقة يمكن للمؤسسات تحسين إيراداتها من خلال التركيز على المجالات الرئيسية التي تعتبر حاسمة، بدلاً من بذل الجهود في المجالات التي لا تهم العملاء.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم تطبيقات بث الموسيقى الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المستخدم؟
ختاماً، نجد أن الأعمال التجارية قد تتخذ قرار تطبيق استراتيجيات التحول الرقمي لأسباب عديدة تختلف باختلاف العمل نفسه، ومع ذلك فإن السبب الأكثر أهمية هو البقاء في السوق حيث أوضحت جائحة كوفيد-19 أهمية التكيف بسرعة مع التغييرات الدراماتيكية، بما في ذلك الاضطرابات في سلاسل التوريد وتوقعات العملاء المتغيرة بسرعة وغيرها.
ومن ثم فإن الإنفاق على التحول الرقمي بالنسبة للمؤسسات والأعمال التجارية أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. وعلى الرغم من اختلاف احتياجات التحول الرقمي اعتماداً على مجال الشركة وصناعتها والتحديات والمتطلبات، إلا أن الثابت الوحيد هو أنه كلما ازدادت التغييرات التكنولوجية ستحتاج الشركات إلى التكيف معها.