ميثاق حقوق البلوك تشين الذي أعلن عنه المنتدى الاقتصادي العالمي يثير جدلاً واسعاً

5 دقائق
مصدر الصورة: مات ريدينج عبر أنسبلاش | تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو

في 22 مايو أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي عن "ميثاق حقوق البلوك تشيّن" الذي يهدف إلى تشييد مجتمع عالمي يضم مطورين وشركات، بالإضافة إلى الحكومات التي بدأت تتجه إلى استخدام التقنية بهدف إدارة عملية إنقاذ الاقتصاد بشكل لامركزي وأكثر فعالية.

ومن حسن حظ البشرية وجود شخص يدعى ساتوشي ناكاموتو. هذه الشخصية المجهولة ابتكرت عام 2008 عملة البيتكوين. وما أقدم عليه ساتوشي قبل 12 عاماً اعتُبِر حينها فصلٌ من الجنون؛ كونه مثلَ محاولة فردية وفريدة من نوعها لخلق بيئة مالية رقمية خارجة عن سلطة المصارف، ولكن يبدو أنها تحولت الآن إلى خشبة خلاص تستنجد بها الدول من أجل إنقاذ اقتصادها من ويلات جائحة كورونا.

لقد صمم ناكاموتو البنية التحتية للعملة المشفرة مستخدماً تقنيّة الطابع الزمني الرقمي، وهدفها نقل البيتكوين من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) بأمان وشفافية، ومنع إحداث أي تعديل على البيانات. إن هذه التقنية كانت منسية قبل ناكاموتو؛ ذلك أن تاريخ القيام بالتجربة الأولى على التقنية عبر الحاسوب يعود إلى عام 1991، على يد العالمين الأميركيين ستيوارت هابر وسكوت ستورنيتا.

حل البلوك تشين كالمَلِك داخل نقاشات المنتدى الاقتصادي العالمي. ففي الأسبوع الثالث من شهرِ مايو، أعلن المنتدى عن "ميثاق حقوق البلوك تشين". وعلى الرغم من القوة التي يتحلى بها عنوان الميثاق، إلا أنه لم يحصل على إجماع جهات عدة؛ كونه يحتوي على نقاط تتضارب مع قواعد البلوك تشين المتعارف عليها.

وعلى هامش الورقة الحقوقية التي تثير إلى وقتنا الحالي جدلاً واسعاً، فقد تناقش خبراء المنتدى حول أهمية استخدام التقنية في عملية إنقاذ اقتصادات الدول الغنيّة والفقيرة من الآثار السلبية جداً التي يخلفها يومياً فيروس كورونا، فمن المتوقع أن توفر التقنية طريقة لامركزية وآمنة لتبادل البيانات والسلع، وإدارة سلاسل التوريد التي تشهد تراجعاً ضخماً نتيجة الجائحة، فقد بات واضحاً أن الجائحة وضعت البشرية أمام لحظة تاريخية مهمة، وتشهد على انبثاق أنظمة مالية واقتصادية واجتماعية جديدة.

شرعة حقوق بلوك تشين مثيرة للجدل

يحاول المنتدى من خلال ميثاق حقوق البلوك تشين دفعَ المحافل الدولية -كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي- إلى التصديق على معايير عالمية تنظم عمل البلوك تشين، وقد انبثق الميثاق عن مجلس البلوك تشين العالمي، الذي يشارك فيه شركات ومنظمات دولية بارزة كشركة بلوك تشين والبنك الدولي.

جميع النقاط المقترحة في ورقة المنتدى مثيرة للجدل من ناحية الحقوق الضخمة التي تمنحها للمستخدمين على حساب الشركات، ولكن النقطة الأخيرة الواردة من الميثاق جاءت غريبة جداً، لكونها تريد الاعتراف بحق المستخدمين في تصحيح البيانات عند الضرورة، وهي خطوة تتعارض مع التقنية التي تسجل المعلومات بشكل يستحيل تصحيحه، وهي الميزة التي يتفاخر بها مجتمع مطوريها.

يضم الميثاق المقترح 16 نقطة تتوزع على أربع مجموعات، وتهدف إلى حماية حقوق المستخدمين في ظل ازدهار بيئات العمل الرقمية اللامركزية، بالإضافة إلى تنظيم حقوق المستخدمين في إنشاء وإدارة وتخزين مفاتيح التشفير بشكل مستقل.

المجموعة الأولى: الشفافية وإمكانية الوصول

  • يعترف بحق المستخدم في فهم كيفية تشغيل المنصة أو التطبيق، بما في ذلك تنبيه المستخدمين بشأن المخاطر المحتملة التي قد تواجه خدمة بلوك تشين بالإضافة إلى توفير مصدر مفتوح للشيفرة.
  • التنبيه بشأن المخاطر الناجمة عن استخدام التطبيقات التي تعمل عبر البلوك تشين.
  • فهم أداء البلوك تشين وتحديد المسؤولية التي تقع على عاتق البرامج تجاه المستخدمين.
  • الإعلان عن حقوق كل الجهات العاملة عبر بلوك تشين.

المجموعة الثانية: الوكالة والتشغيل البيني، وتضم النقاط التالية

  • إنشاء مفاتيح التشفير وإدارتها وتخزينها بشكل مستقل.
  • يسمح للمستخدمين بإدارة البيانات المخزنة في برامج الطرف الثالث.
  • يسمح بإلغاء الموافقة على نظام جمع البيانات في المستقبل.
  • يجب توفير المعلومات الكافية للمستخدمين لتسهيل تشغيل برامج بلوك تشين.

المجموعة الثالثة: الخصوصية الأمان الرقمي، ما يسمح للمستخدم بالنقاط التالية:

  • تقييم ما إذا كان المستخدم معرض للخطر من خلال إجراءات الإفصاح عن المعلومات التي تشمل فحص شيفرة المصدر.
  • أن من حقوق المستخدم حماية بياناته وفق معايير الأمان التقني المعترف بها دولياً.
  • استخدام بيانات المستخدمين للغرض الذي تم التصريح عنه من قِبل شركات البلوك تشين.
  • التحقق من الأمان عن طريق أدوات الطرف الثالث أو أدوات اخرى أنشأها المستخدم ذاتياً.

المجموعة الرابعة: المساءلة والشؤون الحكومية

  • يجب أن يكون المشارك قادراً على الوصول إلى المعلومات اللازمة لفهم حوكمة الأنظمة الرقمية وقواعدها.
  • إلغاء المشاركة في استخدام التطبيقات التي لا تتعامل مع البيانات وفق معايير الحوكمة وقواعد حماية البيانات المعترف بها دولياً.
  • السماح للمستخدم بتصحيح البيانات الزائفة أو غير الدقيقة أو غير المكتملة عند الضرورة.

توسع نطاق عمل بلوك تشين

بحسب المنتدى، فإن الإقبال على البلوك تشين ارتفع كثيراً بعد جائحة كورونا. ومؤخراً، وردَ اسم الأمم المتحدة من بين أكبر المستثمرين الواعدين في هذا المجال التقني؛ حيث زاد الضغط عليها نتيجة الجائحة، التي نجم عنها ارتفاع مريب في معدلات الفقر، وحاجة مجموعات بشرية إلى الدعم الغذائي عبر سلاسل التوريد، بالإضافة إلى الحاجة لتنظيم شؤون اللاجئين، خصوصاً السوريين.

وقبل عام، بدأت المنظمة تستخدم خدمة بلوك تشين خاص بها لمنح هوية رقمية لعديمي الجنسية الذين يبلغ عددهم 1.1 مليار نسمة، كذلك أطلقت المنظمة الدولية خدمة يونيسف كريبتو (UNICEF Crypto)، ما يسمح لها بقبول تبرعات بيتكوين وإيثيريوم، وقد حصلت المنظمة على 10,000 إيثيريوم من الشركة الأساسية للعملة المشفرة.

بلوك تشين لدعم سلاسل التوريد

أظهرت جائحة كورونا مدى ضعف البنية التحتية القائمة عليها سلاسل التوريد العالمية، وقد أثبتت فشلها في الاستجابة للكوارث الكبرى على ضوء الانخفاض غير المسبوق عالمياً للسلع؛ نتيجة زيادة الطلب عليها.

ومؤخراً، صدر مقال عن المنتدى الاقتصادي العالمي ندّد بأداء الدول السيئ تجاه بعضها في عملية نقل المواد الطبية. ومن جهة أخرى، أدى التوتر الدولي تجاه الصين إلى انقطاع عدد من سلاسل توريد المواد الأولية المستخدمة في الصناعات التكنولوجية.

لهذا يشدد المنتدى على ضرورة إنتاج نظام اقتصادي رقمي مترابط يدعم سلاسل التوريد، ويتناسب مع بنية العالم الاقتصادي لما بعد الجائحة؛ ولذلك يعمل المنتدى مع 100 من المنظمات والشركات التكنولوجية لتنظيم عمل 40 سلسلة توريد حول العالم عبر التقنية.

ومؤخراً أطلقت شركة آي بي إم خدمة التوصيل السريع للعرض (RSC)، وتهدف الخدمة إلى توفير ما تحتاجه المستشفيات من خلال ربطها بالشركات التي توفر المستلزمات الطبية بسرعة.

بزوغ عصر بلوك تشين

عام 2016، بلغت نسبة محافظ البلوك تشين 9 مليون محفظة، بينما حالياً يوجد حوالي 47 مليون محفظة بلوك تشين، ومن المتوقع أن تبلغ نسبة الإنفاق العالمي على صناعة التقنية حوالي 15.9 مليار دولار بحلول عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، فقد أوردت مجلة فوربس أسماء 50 شركة، وهم الأكثر استخداماً للتقنية عالمياً، ومن المتوقع أن تنتج الشركات حوالي مليار دولار على شكل إيرادات سنوية نتيجة استخدام التقنية.

الصين تطلق أكبر بلوك تشين

تعد الصين ثاني أضخم اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من التفاؤل الذي ظهر على وجه قيادتها السياسية نتيجة قدرتها في السيطرة على انتشار الوباء بين شعبها، غير أن القيادة الصينية فشلت في السيطرة على عملية انكماش قطاعاتها الاقتصادية.

بلغ تقلص اقتصاد الصين حوالي 6.8%. هذا الرقم مخيف مقارنة بمرحلة النهضة الضخمة التي تَنَعَّمَ بها الاقتصاد الصيني قبل الجائحة.

لقد حضرت التقنية اللامركزية بقوة في نقاشات البرلمان الصيني، الذي اجتمع للمرة الأولى في 22 مايو بعد انقطاع دام خمسة أشهر على التوالي. ففي الوقت الراهن، تنظر الهيئة القومية الصينية في الاقتراح الذي قدمه النائب جي تشينغ تان أمام البرلمان، والذي لاقى قبولاً من قبل عدد من النواب.

يتناول الاقتراح إنشاء صندوق قومي لدعم صناعة بلوك تشين في البلاد، وتوحيد مسار الصناعة، وذلك على ضوء استعداد الحكومة لإطلاق مشروع بلوك تشين وطني (BSN) بالتزامن مع الإعلان عن العملة الرقمية الرسمية للصين. وقد شارك في تصميم البنية التحتية لنظام البلوك تشين الوطني كلٌ من شركة تشاينا للاتصالات، وهي أكبر شركة اتصالات في العالم بعدد 900 مليون مستخدم، بالإضافة إلى شركة تشاينا يونيون باي (China Union Pay) التي تستحوذ على 800 مليار بطاقة ائتمان للأصول المالية.

ينظر الصينيون إلى التقنية على أنها المسار الأمثل لتحفيز الاقتصاد ومساعدة السلطات على تشييد الحوكمة الذكية بين المقاطعات، والتي ستخدم صناعاتها لإنترنت الأشياء والجيل الخامس للاتصالات، كما ستعمل الدولة عبر التقنية على إعادة السيطرة على حركة التجارة العالمية عبر توفير الاتصال الآمن وشفافية نقل الأصول المالية بين التجار.