كيف ستتحول سباقات الفورمولا ون إلى الاستدامة؟

4 دقائق
كيف ستتحول سباقات الفورمولا ون إلى الاستدامة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Image Craft

تعتبر سباقات الفورمولا ون (Formula One) اختصاراً إف ون (F1)، واحدة من أشهر الرياضات ذات البريق الإعلامي البارز عبر العالم، حيث تقام جولاتها بصورة دورية سنوياً في جميع دول العالم من البرازيل والمكسيك في قارة أميركا الجنوبية مروراً بإسبانيا وفرنسا في قارة أوروبا، وانتهاءً بالإمارات العربية المتحدة والبحرين في قارة آسيا.

ولكن وسط أزيز أصوات السيارات المثير والذي يستقطب ملايين المشاهدين في الحلبات وعبر شاشات التلفزيون، نجد أن هذه السباقات من أكبر المساهمين في إنتاج غاز ثاني أوكسيد الكربون في الكوكب، حيث تنتج ما يصل إلى 256 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون في كل موسم سباق.

نتيجة لذلك، بدأ المسؤولون التفكير جدياً في العمل على تحقيق صافي انبعاثات صفرية ضمن هيكل سباق الجائزة الكبرى الدولي الذي سيستضيف 22 سباقاً في العام الواحد، وتشارك فيه 10 فرق على الأقل بواقع 20 سيارة في السباق الواحد، حيث بدأت الدعوات إلى ضرورة تحول الرياضة إلى استخدام الوقود المستدام والطاقة النظيفة في عملياتها التشغيلية للمحافظة على مناخ كوكب الأرض.

اقرأ أيضاً: كيف سيؤثر الهيدروجين الأخضر على مستقبل العالم وما أشهر الدول التي تنتجه؟

مساهمة سباقات الفورمولا ون في إنتاج الانبعاثات الكربونية

بينما ينظر الكثير من المتابعين إلى سيارات سباقات الفورمولا ون على أنها المساهم الأول في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، إلا أن الحقيقة الصادمة هي أن أكبر مساهم في البصمة الكربونية لهذه السباقات ليست السيارات نفسها ولكن الخدمات اللوجستية المرافقة لها، بالإضافة إلى الملايين من المشجعين الذين يسافرون من وإلى حلبات السباق.

حيث إن سيارات الفورمولا ون نفسها تسهم بنسبة 0.7% فقط من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، فخلال موسم كامل تحرق الـ 20 سيارة مجتمعة نحو 150 ألف لتر من الوقود، وهي الكمية نفسها التي تحرقها طائرة من طراز بوينغ 747 فردية ذات أربعة محركات في رحلة مدتها عشر ساعات بشكل عام.

وبينما تسهم الخدمات اللوجستية العالمية والتي تشمل نقل فرق العمل والسيارات بنحو 45% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، تشير التقديرات إلى أن السفر بغرض العمل يسهم بنسبة 27.7% ولا يشمل السفر الجوي فحسب، بل النقل البري بالإضافة إلى الإقامة الفندقية، علاوة على ذلك، يسهم البث التلفزيوني بنسبة 7.3%، بينما تسهم مرافق البحث والتطوير بنحو 19.3% من إنتاج الكربون.

اقرأ أيضاً: لماذا يمثل الهيدروجين الأخضر بديلاً جذاباً للوقود الأحفوري؟

كيف تعمل سباقات الفورمولا على تحقيق هدف الحياد الكربوني؟

على الرغم من أن استهلاك وانبعاثات سيارات سباقات الفورمولا ون صغيراً مقارنة ببعض القطاعات الأخرى، فإن كونها تعمل بالوقود الأحفوري بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية المرافقة لها يجعلها في النهاية مساهمة في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، حيث لم يعد حرق الوقود الأحفوري من أجل الترفيه الرياضي مقبولاً للكثير من أصحاب المصلحة في الرياضة.

ومن أجل ذلك، قام القائمون على البطولة بالإعلان في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2019 عن خطط ثورية لتحقيق هدف بصمة كربونية صافية صفرية بحلول عام 2030، مع الالتزام بالوصول إلى إنجاز رئيسي بحلول عام 2025 بأن تكون جميع الفعاليات مستدامة، من خلال التخلص من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الفردي، وإعادة استخدام جميع النفايات أو إعادة تدويرها أو تحويلها إلى سماد.

بالإضافة إلى العديد من التدابير التي قامت بتطبيقها أو في طريقها لتطبيقها للوصول إلى صافي الحياد الكربوني، بما في ذلك:

استخدام محركات الوقود الهجينة

هدف سباقات الفورمولا ون بحلول عام 2025 إلى إدخال جيل من المحركات الهجينة (Hybrid Engines) التي تعد الأكثر توفيراً للطاقة وتستخدم وقوداً أقل، لمساعدة الرياضة على تحقيق هدفها المتمثل في أن تكون خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2030، حيث عملت الرياضة في عام 2022 على الانتقال بالفعل إلى نوع من الوقود الحيوي يسمى إي 10 (E10) وهو خليط من 90% من الوقود الأحفوري و 10% من الإيثانول.

ولكن مع التخطيط لإطلاق الجيل الجديد من محركات سيارات الفورمولا ون في عام 2025، فإن الهدف هو الوصول إلى استخدام وقود مستدام بنسبة 100%، حيث انخرط القائمون على البطولة بنشاط في المناقشات مع شركات الوقود حول إنتاج الوقود بالكميات اللازمة للبطولة وتوسيع نطاق الإنتاج للاستخدام على نطاق أوسع يتجاوز البطولة. 

اقرأ أيضاً: تجارب علمية واعدة لإنتاج كهرباء مستدامة من تيارات الهواء والثلوج

استخدام الوقود الإلكتروني

الوقود الإلكتروني (E-fuel) ويُعرف أيضاً باسم الوقود الكهربائي (Electro-Fuels)، هو نوع من الوقود البديل الذي يتم تصنيعه باستخدام ثاني أوكسيد الكربون المحتجز أو أول أوكسيد الكربون جنباً إلى جنب مع الهيدروجين الذي يتم الحصول عليه من مصادر الكهرباء المستدامة، مثل الناتجة عن طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية.

حيث تخطط سباقات الفورمولا لاستخدامها بديلاً عن الوقود الأحفوري لأنها يمكن أن تساعد على تقليل انبعاثات الكربون، بالإضافة إلى أنها تعتبر تقنية أساسية لتحقيق الحياد الكربوني، وبحسب العضو المنتدب لشركة موتور سبورتس (Motorsports) روس بروان (Ross Brawn)، فإن البطولة تعمل على تجربة استخدام الوقود الإلكتروني لجعل دائرة الكربون محايدة تماماً، وهذا يعني أن الكربون المستخدم لإنتاج هذا الوقود هو كمية الكربون نفسها المنبعثة من محركات الاحتراق الداخلي، لذا فإن المحركات لا تضيف أي كميات إلى ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

 

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستغناء عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة المتجددة؟

البث التلفزيوني عن بُعد

على الرغم من أن بطولة الفورمولا ون كانت لديها بالفعل خطة طويلة الأجل وقيد الإعداد لبدء تشغيل منشأة البث التلفزيوني عن بُعد، لكن تفشي جائحة كوفيد-19 والقيود المرافقة لها في تقييد السفر الدولي أسهما بتسريع هذه الخطط، حيث أدّى ذلك إلى التخلص من نحو 70 طناً من المعدات التي يتم نقلها إلى كل بطولة، وتقليل عدد الموظفين المسافرين بنسبة 36%.

هذا التحول نحو التشغيل عن بُعد ليس جديداً على بطولة الفورمولا ون، ولكنه أدّى دوراً متزايداً في تقليل عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى السفر لنقل الأحداث، مع تقليل كمية المعدات التي يجب نقلها عن طريق الجو والبحر والبر، ما أدّى إلى إنشاء عملية أكثر استدامة وأقل استهلاكاً للوقود الأحفوري.

ختاماً، يشجّع الكثير من الخبراء ودعاة المحافظة على البيئة والنشطاء بطولة الفورمولا ون على الانخراط أكثر في ابتداع طرق جيدة تسهم في الحد من التأثير البيئي السلبي الذي تحدثه، حيث من المحتمل أن تؤدي خطوات التحول إلى استخدام الوقود الحيوي المستدام في المستقبل إلى تحول كبير في هذه الرياضة، ما يشجّع العديد من الرياضات الأخرى للسير على طريقها والمساهمة في الوصول إلى تحقيق الأهداف التي وضعتها اتفاقية باريس للمناخ، من أجل كوكب صحي خالٍ من انبعاثات الكربون وغازات الاحتباس الحراري.

المحتوى محمي