مع انتقال تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة من الخيال العلمي إلى الواقع تستعد شركات صناعة السيارات وشركات التكنولوجيا العملاقة مثل آبل وجوجل لإحداث تطورات مهمة في هذا المجال. وعلى الرغم من أن العديد من السيارات اليوم تحتوي على ميزات تعتمد على التكنولوجيا لمساعدة السائق، إلا أنها حتى الآن لم يتم تعريفها على أنها سيارات ذاتية القيادة بشكل كامل، إذ أن التحول إلى سيارة مؤتمتة بالكامل وتقود نفسها بنفسها دون تدخل بشري له الكثير من التحديات والمستويات من الضروري المرور بها أولاً، وفي هذا المقال سنذكر لك المزيد من التفسيرات المتعمقة لمستويات القيادة الذاتية وما تعنيه للسائق.
إلى أين وصلت تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة حتى الآن؟
على عكس ما يعتقد الكثير من السائقين، لا توجد سيارات ذاتية القيادة بالكامل متاحة تجارياً حتى الآن، وهذا يعود لسببين رئيسيين هما:
- التكنولوجيات لتمكين السيارة من قيادة نفسها بشكل كامل ليست جاهزة بعد.
- لم تقر معظم الدول حتى الآن رسمياً قوانين تحكم استخدام هذه السيارات، وبالتحديد المسائل الأخلاقية حول شرعية من هو المخطئ إذا فشل النظام.
ومع ذلك هناك العديد من المخططات التجريبية في جميع أنحاء العالم لتجربة تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة مثل إدخال تكنولوجيات مساعدة مبتكرة، مثل مثبت السرعة والفرملة التلقائية في حالات الطوارئ، لا سيما في الصين وأميركا الشمالية. بالإضافة إلى ذلك بدأت الحكومات بتخفيف القواعد لتمكين مصنعي السيارات ذاتية القيادة من مواصلة عملهم على قدم وساق.
على سبيل المثال، قامت حكومة المملكة المتحدة بتغيير القانون لتعريف السيارات ذات المعايير المعتمدة على أنظمة الحفاظ على المسار الآلي بأنها "ذاتية القيادة" (SELF-DRIVING)، ما يعني أنه سيتم السماح للسائقين برفع أيديهم عن عجلة القيادة على أقسام معينة من الطريق.
وسيقتصر ذلك في البداية على الطرق السريعة وفقط بسرعات تقل عن 37 ميلاً في الساعة (تقريباً 60 كيلومتراً في الساعة)، وهذا ما يمكن أن يُنظر إليه على أنه الخطوة الأولى المناسبة نحو السماح للسيارات ذاتية القيادة بالسير على الطرقات العامة. ومع ذلك يجب أن يكون سائقو السيارات مستعدين لاستئناف التحكم في الوقت المناسب في غضون عشر ثوانٍ إذا طُلب منهم ذلك، مثل حالة الاقتراب من مخارج الطريق السريع.
ويتضمن القانون أيضاً تغييراً يسمح للسائقين بمشاهدة المحتوى غير المرتبط بالقيادة على شاشات العرض المدمجة بينما تكون السيارة ذاتية القيادة في وضع السيطرة، ولكن سيظل استخدام الهواتف المحمولة أو القيادة أثناء النوم أمراً غير قانوني.
وتخضع السيارات لاختبارات صارمة ولن يتم اعتمادها كسيارات ذاتية القيادة إلا عندما تفي بالمعايير التي وضعتها الحكومة، كما ستعمل الحكومة مع الشركات والهيئات التنظيمية ومنظمات السلامة لضمان وصول السائقين إلى المعلومات بسهولة لمساعدتهم على استخدام السيارات بأمان.
اقرأ أيضاً: هل تتسبب تكنولوجيا السيارات الحديثة في جعل تجربة القيادة سيئة حقاً؟
ما هي مستويات قيادة السيارات ذاتية القيادة؟
طورت جمعية مهندسي السيارات (SAE) معايير ونظام تصنيف يحدد درجة أتمتة القيادة التي قد تقدمها السيارة ومعداتها، لمساعدة كل من المستهلكين والحكومات على فهم التعقيدات التكنولوجية في كل فئة بشكل أفضل.
على سبيل المثال تتطلب بعض الفئات اهتمام السائق الكامل عند القيادة، بينما تنطوي مستويات أخرى من الاستقلالية على مركبات بدون عجلة قيادة أو دواسات، ما يسمح للسائق بأخذ قيلولة بشكل واقعي أو القيام بأي أنشطة أخرى عند سير السيارة في الطرقات.
وتشمل فئات ومستويات المركبات ذاتية القيادة ما يلي:
-
المستوى الأول: القيادة بمساعدة السائق
يتضمن هذا المستوى، وهو الأكثر شيوعاً وموجود منذ فترة ليست بالقليلة في معظم السيارات الحديثة، تكنولوجيات تعتمد على البيانات من أجهزة الاستشعار والكاميرات تسمح للسيارة والسائق بمشاركة التحكم في السيارة، مثل نظام تثبيت السرعة التكيفي الذي يتحكم في السرعة والمسافة بناءً على وجود السيارة الأمامي.
بالإضافة إلى تكنولوجيا المكابح الذكية التي تساعد السيارة على التحكم في المكابح بدون تدخل من السائق. وعلى الرغم من أن السيارة ستكون قادرة على تغيير سرعتها ومسافة التتبع بناءً على السيارة التي أمامها، إلا أن السائق يحتاج إلى مواصلة الانتباه عن كثب للطريق ومحيطه والتدخل اليدوي كلما حدث خطأ ما.
-
المستوى الثاني: أتمتة القيادة الجزئية
ويشار إليه أيضاً بمستوى "عدم التدخل" (Hands-Off)، وتحتوي السيارات في هذا المستوى على أنظمة ذكاء اصطناعي وتعلم آلي تهتم بجميع جوانب القيادة، مثل مثبت السرعة التكيفي وتصحيح التوجيه، ومع ذلك يجب أن يكون السائق قادراً على التدخل في حالة فشل أي جزء من النظام.
وأبرز الأمثلة على ذلك تكنولوجيا "الطيار الآلي" (Autopilot) في سيارات تسلا التي توجه السيارة تلقائياً للبقاء في الممر الأيمن على الطريق، والحفاظ على مسافة آمنة تفصلها عن السيارة التي أمامها عند وجود ازدحام مروري، ثم الانطلاق مرة أخرى تلقائياً.
-
المستوى الثالث: أتمتة القيادة المشروطة
يمكن للسيارات في هذا المستوى والذي يشار إليه باسم "عدم الانتباه" (Eyes-Off) أتمتة القيادة بشكل شبه كامل، مثل تعديل التسارع والكبح والتوجيه بناءً على العوامل البيئية، وتحتوي سيارات هذا المستوى على أجهزة استشعار وكاميرات إضافية لاكتشاف التغييرات في بيئتها.
حيث تساعد هذه المعدات الإضافية السيارة على استشعار السيارات في الممرات المجاورة لها، ما يسمح للسيارة بتغيير مسارها تلقائياً بدون تدخل من السائق، وهذا يعني أنه يمكنه الجلوس والاسترخاء وترك السيارة تسير لوحدها، ومع ذلك يتعين على السائق أن يكون بحالة انتباه وقادراً على التحكم في السيارة في أي وقت، خاصة في حالات الطوارئ عند فشل النظام.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي في رسم ملامح المدن الذكية؟
-
المستوى الرابع: أتمتة عالية للقيادة
لا تتطلب السيارات في هذا المستوى أي تفاعل بشري في قيادة السيارة، لأنها مؤتمتة لإيقاف نفسها تلقائياً في حالة فشل النظام، حيث تقوم الخرائط عالية الدقة وأجهزة الاستشعار وأنظمة الذكاء الاصطناعي بالتعامل مع المخاطر غير العادية.
ونظراً إلى عدم الحاجة إلى سائق بشري فقد لا تحتوي السيارات في هذا المستوى على عجلة قيادة أو دواسات، وهذا يعني أنه يمكن للسائق النوم حرفياً أثناء قيادة السيارة نفسها. ويمكنه التدخل بشكل اختياري في حالة الطوارئ.
وتُستخدم تقنية أتمتة القيادة من المستوى الرابع الآن في سيارات الأجرة بدون سائق وخدمات النقل العام، وفي مناطق معينة أو مناطق مسيجة جغرافياً أو في الاختناقات المرورية بعد برمجتها للانتقال بين النقطة (أ) والنقطة (ب) بواسطة تكنولوجيا تحديد المواقع الجغرافية.
-
المستوى الخامس: أتمتة القيادة الكاملة
هذا هو مستوى أتمته السيارات ذاتية القيادة التي نراها في أفلام الخيال العلمي الآن، والتي تصور سيارة واعية بمحيطها وتقود نفسها في كل مكان وفي جميع الظروف دون أي تفاعل بشري، ولا تتأثر بالطقس وتنقل البشر بشكل مريح وفعال، وسيكون التدخل البشري الوحيد هو تحديد الوجهة فقط.
متى ستكون السيارات ذاتية القيادة جاهزة للاستخدام؟
عملياً، تقدم جميع شركات تصنيع السيارات اليوم تكنولوجيات مساعدة يمكنها تقليل عبء القيادة على السائق، ومع ذلك فإن غالبية السيارات ذاتية القيادة المتوفرة تجارياً لم تتجاوز المستوى الثاني أو ما تزال في المستوى الأول حتى الآن.
وهذا يعني أنه لا يزال على السائقين اتخاذ جميع القرارات عند القيادة، ويجب أن يكونوا على استعداد لتولي زمام الأمور في أي وقت، حيث إن التكنولوجيات الموجودة فيها الآن لا تجعلها سيارة ذاتية القيادة بالكامل.
ولكن في المستقبل إذا كانت السيارة تحتوي على أنظمة قيادة آلية من المستوى الثالث أو الرابع أو الخامس، فإن هذا يعني أن القيادة ستكون بواسطة التكنولوجيا بالكامل دون إشراف بشري، ومع ذلك يجب أن يكون السائق مستعداً وقادراً على التدخل فوراً في المستوى الثالث إذا قامت السيارة بتنبيه السائق وطلبت منه التدخل.
اقرأ أيضاً: بعد السيارات والطائرات: الآن جاء دور القوارب لتصبح ذاتية القيادة
لذا ستظل السيارات ذاتية القيادة من المستوى الخامس أو حتى الرابع عبارة عن خيال قد يطول تنفيذه على أرض الواقع وقد يستغرق تحقيقه سنوات ليست بالقليلة، إلى أن تتمكن جميع السيارات على الطريق من قيادة نفسها بنفسها دون أي تدخل بشري وأن تكون قادرةً على الاتصال ببعضها بعضاً.