قد يبدو الوقت مناسباً للغاية اليوم لشراء سيارة كهربائية. فأسعار الوقود مرتفعة، وهناك أزمة مناخية. كما أن كبريات شركات تصنيع السيارات جميعها في طور الانتقال إلى الإنتاج واسع النطاق للسيارات الكهربائية. ومن المؤكد أيضاً أن اهتمام المستهلكين بالسيارات الكهربائية قد شهد قفزة كبيرة على مدى الأشهر القليلة الماضية، حتى في خضم التضخم واسع النطاق الذي يؤثر على الاقتصاد بشكل عام، وأسعار السيارات على وجه الخصوص.
ولكن هناك بضع مشكلات تسببت بتأخير القفزة النوعية الحقيقية في شراء السيارات الكهربائية. فلا يوجد ما يكفي من السيارات الكهربائية، كما أن امتلاكها أصبح فجأة أكثر إثارة للمتاعب من ذي قبل، علاوة على أن أسعار السيارات الكهربائية –مع بعض الاستثناءات- آخذة بالارتفاع. فسيارة موديل 3 من تسلا (Tesla)، وهي السيارة الأقل تكلفة من الشركة، أصبحت الآن تُبَاع بمبلغ 46,990 دولاراً أميركياً، أي بزيادة 25% تقريباً عن سعرها في شباط/ فبراير 2021، أما جنرال موتورز (GM) فقد أضافت 3,000 دولار إلى سعر البيع بالتجزئة لسيارتها الجديدة التي تعمل بالدفع الرباعي، كاديلاك ليريك.
اقرأ أيضاً: هل توفر البطاريات الكمومية الحل الأمثل لنشر السيارات الكهربائية على نطاق واسع؟
ومع رفع الشركات لأسعارها، يتوقع مراقبو الصناعة أن السيارات الكهربائية ستصبح أكثر تكلفة في المستقبل القريب، شأنها شأن بطارياتها التي عادة ما تكون زهيدة الثمن. ما الذي يحدث؟ وما علاقة ما يحدث بالمعادن؟ لنحاول معاً استيعاب الوضع.
تراجع الإعفاءات الضريبية
كانت الكثير من طرازات السيارات والشاحنات والدراجات الكهربائية باهظة الثمن، حتى قبل اختناق الاقتصاد بسبب جائح كوفيد-19 (مع أن تكاليف امتلاكها بمرور الوقت لا تزال أقل من تكاليف امتلاك الطرازات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي). ويبدو أن التشريعات المقترحة في الولايات المتحدة لتمديد الإعفاءات الضريبية للمستهلكين على هذه المركبات دخلت مرحلة الموت السريري حالياً. وقد قامت بعض الشركات بفضل الإعفاء الضريبي الحالي البالغ 7,500 دولار، مثل تسلا وجنرال موتورز، بإنتاج عدد كافٍ من طرازات السيارات الكهربائية، إلى درجة أن منتجاتها لم تعد مؤهلة لهذا الإعفاء.
تقدم بعض الولايات الأميركية برامج تحفيز مختلفة للسيارات الكهربائية. وعلى سبيل المثال، تقدم كاليفورنيا خصومات ضريبية إضافية للسيارات الكهربائية، وتقوم بتنفيذ برامج تجريبية للاستفادة من السيارات الكهربائية كمصادر طاقة للمنازل. وهو ما يعتبر بطبيعة الحال خسارة بالنسبة للسائقين في الولايات التي لا تقدم هذه الحوافز. وهو عبء إضافي بالنسبة لوكالات بيع السيارات، والتي غالباً ما كانت ترفع أسعار معروضاتها، بما فيها السيارات الكهربائية من الطرازات واسعة الانتشار، من خلال فرض هوامش ربحية إضافية ضخمة لصالح التجار على بضاعتها.
اقرأ أيضاً: تعرف على حل زهيد التكلفة لمعضلة شحن السيارات الكهربائية
ماذا عن الكهرباء نفسها؟
عادة، يستطيع مالكو المنازل والسيارات الكهربائية شحن سياراتهم عند منازلهم، أو الاستفادة من كفاءة استخدام الطاقة التي توفرها مشاركة الأحمال، أو حتى استخدام السيارات نفسها لتغذية المنازل بالطاقة، وكل ما سبق يساعد على توفير الوقت والطاقة والمال. ولكن اجتماع عدة عوامل سلبية، مثل الزيادات السريعة في أسعار النفط والصدمات العامة التي تتعرض لها سلاسل التوريد، دفعت بمؤسسات المرافق العامة إلى رفع أسعار الطاقة المنزلية. ولهذا، أصبح شحن السيارات عند المنازل أكثر تكلفة. وإضافة إلى ارتفاع التكاليف، فإن مؤسسات المرافق العامة التي ما زالت تعتمد على الغاز الطبيعي تزيد عملياً على السكان من صعوبة تزويد منازلهم بالكهرباء التقليدية أو بمصادر الطاقة منخفضة الكربون من خلال تكنولوجيات مثل ألواح الطاقة الشمسية على الأسطح أو التخزين بالبطاريات.
فإذا أردت شحن السيارة بعيداً عن المنزل، لن تجد ما يكفي من شواحن السيارات الكهربائية العامة المتوافرة للسائقين الذين يجب أن يراقبوا استهلاك الطاقة في سياراتهم أثناء القيادة هنا وهناك. هناك بعض الابتكارات التي تهدف إلى دعم توفير الشحن للعامة، سواء عبر محطات الشحن السريع التي يتم تركيبها على الطرقات، أو الطرقات العامة التي تشحن السيارة في أثناء القيادة. ولكن هذه الحلول الابتكارية لا تزال محدودة الأثر مع مواصلة مزودي الطاقة رفع أسعارهم. وببساطة، فإن العرض لا يصل إلى مستوى الطلب.
سلاسل التوريد
هل تتذكرون النقص في الشرائح الحاسوبية وأنصاف النواقل؟ في الواقع، فإن هذا الأثر السلبي الناجم عن الصدمات التي تسببت بها الجائحة لسلاسل التوريد ما زال موجوداً. فهذه القطع، والتي تُعتبر أساسية للسيارات الكهربائية، وفقاً لمجلة بوليتيكو (Politico)، تحتاج السيارة الكهربائية إلى ضعفي عدد الشرائح التي تحتاج إليها السيارة التي تعمل بالوقود، وهي تمنع صانعي السيارات من رفع سوية الإنتاج بما يكفي لمضاهاة الطلب. وتزعم بعض الشركات أنها باعت كامل إنتاجها من أكثر طرازات السيارات الكهربائية رواجاً لديها، ما يؤدي إلى تأخيرات في التسليم. علاوة على ذلك، فإن أوكرانيا الغارقة حالياً في الحرب كانت تُعتبر من أبرز مصادر النيون، وهو الغاز الذي يساعد على تشغيل تكنولوجيا الليزر المستخدمة في تصنيع أنصاف النواقل.
لقد امتدت المتاعب إلى تكنولوجيات أخرى في السيارة. وأدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى هروب الشركات من كلا البلدين، وإحداث نقلة في حوافز الأعمال لدى شركات تصنيع السيارات. فقد توقفت الشركات الألمانية عن تصنيع السيارات في روسيا، على حين أدى الهجوم على أوكرانيا إلى زعزعة إنتاجها لأنظمة التوصيل السلكي، والتي كانت من مصادرها المهمة. ولن تستطيع أي سيارة، سواء كانت تعمل بالوقود أو بالكهرباء، أن تعمل دون أنظمة التوصيل السلكي هذه، ولهذا يتوجب على بلدان أخرى تعويض هذا النقص.
المشكلة الكبرى: البطاريات
من أكبر مصادر المشكلات المعادن المحبوبة مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت، إضافة إلى العناصر الأرضية النادرة.
وعلى الرغم من وجود بطاريات سيارات كهربائية مصنوعة من مواد مختلفة وزهيدة التكلفة نسبياً، وقابلة للإنتاج على نطاق واسع، فإن بطاريات الليثيوم أيون والليثيوم وفوسفات الحديد هي الأكثر استخداماً، وهي تتطلب جميع المواد المذكورة أعلاه. لقد ساعد استخدام هذه البطاريات على نطاق واسع في أسواق السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة على تخفيض أسعارها، ولكنها لطالما كانت تحمل عدة أعباء بنيوية تفاقمت الآن بسبب الوضع الاقتصادي الحالي. فليس من المناسب على الإطلاق أن يشكل سعر البطارية وحدها ما بين ربع وثلث سعر السيارة الكهربائية بأسرها.
اقرأ أيضاً: هل يمكن للبطاريات الحديدية الجديدة أن تحل محل بطاريات الليثيوم أيون في تخزين الكهرباء بفعالية؟
وقد كانت الصين، والتي تتميز أراضيها بالغنى بمخزونات المعادن، مسؤولة عن تصنيع 90% من البطاريات في السنة الماضية.