ما هو الاختبار المجمّع؟ وهل يُسهم في تسريع اختبارات الإصابة بفيروس كورونا؟

3 دقائق
خوارزمية الاختبار المُجمَّع.

عند بداية تفشي فيروس كورونا، كانت أهم توصيات رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس لجميع الدول هي "الاختبار، ثم الاختبار، ثم الاختبار". غير أن الانتشار السريع للمرض والنقص الكبير في مجموعات الاختبار قد حال دون التطبيق الكافي لهذه التوصية.

من البديهي أن نفكر في أن الحل الوحيد لهذه المشكلة يتمثل في إنتاج المزيد من مجموعات الاختبار. في الواقع، هناك حلٌّ آخر يقترحه الخبراء: خوارزمية الاختبار المجمع.

كيف يتم اختبار الإصابة بفيروس كورونا؟ وما أهمية الاختبار؟

يجري الاعتماد حالياً على اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) لتشخيص الإصابة بمرض كوفيد-19، ويسمح هذا الاختبار باكتشاف المادة الوراثية للفيروس في مسحة الأنف أو الحلق عن طريق إنشاء ملايين أو مليارات النسخ من عينة الحمض النووي، بحيث يمكن للأطباء التعرف عليها بسهولة. ويعدّ اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل من التقنيات المُحكمة، ويُعمل به منذ 35 عاماً.

لم تكن دعوة رئيس منظمة الصحة العالمية لإجراء المزيد من الاختبارات عن عبث؛ فالاختبارات تسمح باكتشاف المصابين بين السكان وعزلهم، وبالتالي تخفيف فرص انتقال المرض. وهذا من شأنه أن يسرّع من إعادة فتح الاقتصاد وعودة الحياة إلى طبيعتها. ناهيك عن تجنب تفشي المرض من جديد بعد رفع إجراءات الابتعاد الاجتماعي والحجر الصحي.

ولتوضيح الأهمية الفعلية للاختبارات، فلننظر إلى مثالين: كوريا الجنوبية وإيطاليا. فقد كان إجراء الاختبارات على نطاق واسع أحد أهم الوسائل التي مكنت كوريا الجنوبية من كبح تفشي الفيروس. بينما تباطأت إيطاليا في إجراء الاختبارات، بوتيرة تساوي ثلث وتيرة كوريا الجنوبية تقريباً؛ حيث تُرك المرضى وشأنهم لمتابعة نشاطاتهم الطبيعية، غير مدركين لكونهم ينشرون الفيروس، حتى انفجرت أعداد الإصابات هناك بشكل فجائي.

إذن، لماذا لا يتم اختبار عدد أكبر من الأشخاص؟

لسوء الحظ، فإن إجراء اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل يتطلب وقتاً وفريقاً مدرباً، وهذا ما يجعل من الصعب زيادة عدد الاختبارات لتصل إلى الأعداد اللازمة فعلاً، والأهم من ذلك أن هناك نقصاً كبيراً في تجهيزات الاختبار؛ حيث تكافح المختبرات الطبية من أجل زيادة إنتاج وتوزيع مجموعات الاختبار، وهو التحدي الذي تفاقمَ الآن بسبب النقص الناشئ في مواد بالغة الأهمية. ويكافح المورّدون، على وجه الخصوص، لمواكبة الطفرة المفاجئة في الطلب على الكواشف الكيميائية، التي تُستخدم لاستخراج المادة الوراثية من المسحات. وقد أدت هذه الصعوبات إلى حصر إجراء الاختبار بالأشخاص الذين يُظهرون بعض الأعراض، مما يعني أن المصابين من دون أعراض لن يتم اختبارهم. وبالتالي سيستمرون في نقل العدوى.

ولزيادة عدد الاختبارات، لا بدّ من تجاوز الطرق التقليدية، الأمر الذي قد يتطلب تفكيراً خارج الصندوق.

ما هو الاختبار المجمع؟ وما أهميته؟

يتضمن هذا الاختبار أخذ عينات من مجموعة من الأشخاص وجمعها لتصبح عينة واحدة، ومن ثم يتم إجراء اختبار الإصابة عليها. فإذا كانت النتيجة سلبية، أي لا تحتوي العينة المجمعة على العامل المُمرِض، عندها يمكن استبعاد إصابة كامل المجموعة باستخدام اختبار واحد فقط.

وتعتبر هذه الطريقة فعّالة عندما تكون غالبية السكان غير مصابين بالمرض، مما يجعلها مناسبة تماماً في حالة فيروس كورونا. وتتعزز إمكانية استخدام الاختبار المجمع إنْ علمنا أن دراسة حديثة قد أثبتت قدرة اختبار البوليميراز المتسلسل على اكتشاف وجود حالة إصابة في عينة مجمعة من 32 شخصاً.

وتكمن أهمية الاختبار المجمع في تمكيننا من زيادة عدد الأشخاص الذين يتم اختبارهم يومياً وتحديد حاملي الفيروس الذين لا يظهرون أية أعراض، وبذلك سيسمح بتسطيح المنحنى وتخفيض احتمالات نقل العدوى. وبشكل جوهري، يتيح الاختبار المجمع تخفيض عدد اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل اللازمة، وبالتالي يساهم في حل مشكلة نقص مجموعات الاختبار إلى حدٍّ كبير.

وهناك نوعان للاختبار المجمع سنوضحهما عن طريق المثال التالي:

مثال توضيحي

لنفترض أننا نرغب في اختبار الإصابة بفيروس كورونا على 100 شخص. وبعد أخذ المسحات من الجميع، نقسّمهم إلى 5 مجموعات تتألف كلٌّ منها من 20 شخصاً، ثم نُجري اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل على 5 عينات مجمّعة. فإذا كان لدينا شخص واحد مصاب، فإن 4 مجموعات ستكون نتيجتها سلبية وستكون نتيجة المجموعة التي تضم الشخص المصاب إيجابية. في هذه المرحلة نكون قد استبعدنا إصابة 80 شخصاً باستخدام 4 اختبارات فقط. ثم في المرحلة الثانية نجري الاختبار على الأشخاص العشرين في المجموعة الأخيرة حتى نحدد الشخص المصاب. وبذلك نكون قد أجرينا 25 اختباراً عوضاً عن 100 اختبار بتحديد شخص مصاب واحد ضمن مجموعة مكونة من 100 شخص.

خوارزمية الاختبار المُجمَّع.
التصميم باستخدام: draw.io

وعلى الرغم من فعالية هذا الأسلوب إلا أنه لا يعتبر مثالياً؛ إذ على فرض أن الوصول إلى نتيجة الاختبار يستغرق ساعة كاملة، فإننا نحتاج إلى ساعة لإجراء المرحلة الأولى وساعة أخرى لإجراء المرحلة الثانية. وهذا سيتطلب من العشرين شخصاً في المجموعة الأخيرة الانتظار لمدة ساعتين.

يسمى هذا الأسلوب بالاختبار المجمّع التكيُّفي، لأنه يستخدم نتائج المرحلة الأولى في تحديد المجموعة التي يجب اختبارها بكاملها.

أما الأسلوب الآخر فيسمى الاختبار المجمع غير التكيُّفي. وباستخدام المثال السابق، يتألف هذا الأسلوب من مرحلة واحدة؛ حيث يتم على سبيل المثال توليد 20 عينة مجمّعة عشوائية تضم كلٌّ منها 30 شخصاً انطلاقاً من المائة شخص، بحيث تكون مسحة كل شخص موجودة في 6 مجموعات (لتبسيط الفكرة، نوزع المسحة المأخوذة من كل شخص إلى 6 عينات فنحصل على 600 عينة ثم يتم تجميع كل 30 منها في عينة مجمعة واحدة فنحصل على 20 عينة مجمعة). عندها، وبإجراء 20 اختباراً فقط، سنتمكن من تحديد الشخص المصاب ومن دون فترة انتظار طويلة. 

تعمل طريقة الاختبار المجمع بفعالية عالية ضمن المجموعات الكبيرة من السكان التي تتضمن عدد إصابات قليل. ويمكن استخدامها على سبيل المثال في المطارات والسجون والمستشفيات؛ إذ تحمل هذه الطريقة إمكانيات واعدة في تسريع معدل إجراء الاختبارات والكشف عن الإصابات وبالتالي الحد من انتشار الوباء.