ما مدى انتشار فيروس كورونا المستجد؟ ما عدد الناس الذين يصابون به دون أن يدركوا إصابتهم؟ ما هو معدل الوفيات الفعلي؟
هذه بعضٌ من أكبر التساؤلات التي لا يملك العلم إجابات عنها. غير أن فريقاً من كلية إيكان للطب في مدينة نيويورك قد تمكن للتو من تطوير الاختبار اللازم بالضبط للإجابة على تلك الأسئلة.
ويقوم اختبارهم، الذي تم شرحه في ورقة مسودة نُشرت يوم 18 مارس، بالبحث عن علامات وجود الأجسام المضادة لفيروس كورونا في دم الأشخاص، وهو مشابه لنوع الاختبار المستخدم على نطاق واسع في الكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).
تُظهر اختبارات كهذه ما إذا كان جهاز المناعة لدى الشخص قد واجه الفيروس على الإطلاق، ويمكن أن تعطي تصوراً دقيقاً عن عدد الأشخاص المصابين حتى الآن. ويمثل هذا الرقم حاجة ماسة بالنسبة للحكومات ومصممي نماذج الأمراض من أجل معايرة مدى عمق إجراءات العزل التي ينبغي فرضها في المجتمع.
لقد أدى فيروس كورونا المستجد إلى وفاة أكثر من 8,700 شخص، وهو ما يمثل حوالي 4٪ من 214,000 حالة إصابة مؤكدة، مما يشكل معدل وفيات مرتفع لدرجة صادمة.
إلا أن معدل الوفيات الحقيقي بين جميع المصابين بالفيروس هو بالتأكيد أقل، بل من المحتمل أن يكون أقل بكثير. ويعود سبب عدم قدرة علماء الأوبئة على التحديد الدقيق لمعدل الوفيات إلى حقيقة أنهم لا يعرفون عدد المصابين الذين لا يذهبون إلى المستشفى أو حتى لا يعانون من أعراض المرض. وفي الجوهر، يفتقد مصممو النماذج رقماً دقيقاً لحساب معدل الوفيات (الذي يتم الحصول عليه من خلال قسمة عدد الوفيات على عدد المصابين).
ويمثل ذاك مشكلة كبيرة تعيق وضع سياسات المواجهة؛ فقد قال جون إيوانديس من جامعة ستانفورد، في مقالة منشورة يوم 17 مارس على موقع STAT، إن معدل الوفيات الحقيقي بسبب فيروس كورونا قد يكون أقل من معدل الوفيات الناجمة عن الأنفلونزا الموسمية. فإذا كان الأمر كذلك، فإننا نشهد اتخاذ قرارات بفرض "إجراءات مضادة شديدة الصرامة" في خضم "إخفاق ذريع في الإثباتات" المبنية على بيانات "غير موثوقة نهائياً" حول عدد الأشخاص المصابين.
وفي هذا الأسبوع فقط، قدَّر تقرير أنه في وقت مبكر من انتشار الوباء كان يجري توثيق ما بين 1 من أصل 5 إصابات فعلية إلى 1 من أصل 10 إصابات فعلية.
وفي الوقت الحالي، تكثف الولايات المتحدة ودول أخرى جهودها لتسريع إجراء اختبارات إصابة الأشخاص؛ حيث يبحث هذا الاختبار التشخيصي -المسمى PCR (تفاعل البوليميراز المتسلسل)- مباشرةً عن المادة الوراثية للفيروس في مسحة الأنف أو الحلق. وهو يتيح للأشخاص الذين يعانون من أعراض الأنفلونزا المثيرة للقلق اكتشاف ما يحتاجون إلى معرفته: هل هم مصابون الآن بفيروس كورونا المستجد؟
أما النوع الجديد من الاختبار فيطرح سؤالاً مختلفاً: هل سبق أن دخل الفيروس إلى جسم الشخص على الإطلاق، حتى منذ عدة أشهر مضت؟
إذا تعرض شخصٌ ما للفيروس، ينبغي أن يكون دمه مليئاً بالأجسام المضادة للفيروس؛ إذ إن ما يقيسه الاختبار الجديد هو وجود أو غياب مثل هذه الأجسام المضادة.
يقول فريق إيكان، الذي يقوده عالم الفيروسات فلوريان كرامر، إن الاختبار الجديد يمكن أن يساعد في تحديد أماكن المتعافين من المرض، الذين يمكنهم بعد تعافيهم أن يتبرعوا بالدم الغني بالأجسام المضادة ليتم تزويده إلى الأشخاص في وحدات العناية المركزة للمساعدة في تعزيز مناعتهم.
علاوةً على ذلك، يمكن للأطباء والممرضين والعاملين في مجال الرعاية الصحية معرفة ما إذا كانوا قد تعرضوا بالفعل للإصابة بالفيروس أم لا. ويقترح كرامر أنه يمكن عندئذ لأولئك الذين سبق أن تعرضوا للفيروس -وعلى افتراض أنهم محصنون ضده الآن- أن يندفعوا بأمان إلى الخطوط الأمامية وأداء المهام الأكثر خطورة، مثل إدخال أنبوب التنفس لشخص مصاب بالفيروس، دون القلق بشأن إمكانية إصابتهم أو نقل المرض إلى عائلاتهم.
وتقول مراكز علمية أخرى، بما في ذلك في سنغافورة، إنها تجري اختبارات الأجسام المضادة، شأنها شأن بعض الشركات الأميركية التي تبيع المنتجات إلى الباحثين. كما تقول المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها إنها بصدد تطوير اختبار من هذا النوع.
وفي سعيهم لتصنيع اختبارهم، أنتج فريق إيكان نسخاً من بروتين "الشوكة" الموجود على سطح الفيروس. ويتميز هذا البروتين بأنه يسبب استجابة مناعية عالية، مما يعني أنه بمجرد أن يكتشفه جسم الإنسان سيبدأ في صنع الأجسام المضادة القادرة على الالتحام به.
يتضمن الاختبار تعريض عينةٍ من الدم إلى أجزاء من بروتين الشوكة؛ فإذا توهج الاختبار، فهذا يعني أن جسمك يحتوي على الأجسام المضادة.
وللتحقق من صحة اختبارهم، قام الفريق بمعاينة عينات الدم التي تم جمعها قبل أن يظهر فيروس كوفيد-19 ويتفشى بشكل حاد في الصين هذا العام، بالإضافة إلى عينات دم من 3 حالات حقيقية لأشخاص مصابين بفيروس كورونا. ووفقًا لما ذكره كرامر، يمكن للاختبار أن يلتقط استجابة الجسم للعدوى "في وقت مبكر لا يتجاوز 3 أيام بعد ظهور الأعراض".
ولمعرفة المدى الحقيقي لانتشار العدوى، تتمثل الخطوة التالية للباحثين، في نيويورك وأماكن أخرى، في إجراء "مسوحات مصلية"؛ حيث سيقومون بإجراء الاختبار على عينات الدم التي تم سحبها من أعداد كبيرة من الأشخاص في منطقة تفشي المرض. مما قد يساعدهم في التحديد الدقيق لعدد حالات الإصابة التي لم يتم ملاحظتها وتسجيلها.
ولكن قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يكتشف العلماء العدد الفعلي للإصابات، ويقول كرامر إن الجهد المبذول لإجراء مسح أوسع "قد بدأ للتو".