على بعد نحو 32 كيلومتراً خارج إل باسو، تكساس، وفي ساعة العصر في يوم دافئ قبل حصاد الخريف مباشرة، التف رامون تيريس الابن بشاحنته ما بين حقلين لا يغطيهما شيء سوى التراب. كان من المفترض أن يكتسي الحقلان بحلول هذا الوقت بطبقة غنية من القطن، ولكن هذه المساحة التي تساوي 70 فداناً –وهي جزء تافه من مساحة 1,000 فدان تركها دون زراعة- بقيت جرداء. وبشكل عام، فإن نحو ثلثي حقول القطن لديه فارغة.
كان تيريس يمارس الزراعة هنا منذ 47 سنة. وتحب أشجار البقان في حقوله الحرارة، كما أن التربة في الوادي الذي يزرع فيه تربة خصبة. ولكن، ومن دون الماء، سينهار كل شيء، وقد كانت السنوات الأخيرة الماضية جافة على نحو خاص.
ويستمد تيريس وجيرانه معظم الماء الذي يروون به محاصيلهم من نهر ريو غراندي، الذي ينحدر ملتوياً من الجبال في جنوب كولورادو عبر نيو مكسيكو وعلى طول الحدود بين تكساس والمكسيك. ولكن، وفي السنوات المشابهة لهذه السنة، فإن نسب المطر والثلوج قليلة، والماء شحيح. يستطيع تيريس ضخ بعض المياه الجوفية لتعويض شيء من النقص، ولكنه أمر مكلف، كما أن المضخات غير موجودة في جميع الحقول.
لقد كان تيريس من بين المزارعين الذين تعرضوا إلى أسوأ نتائج نقص المياه الذي يؤثر على المنطقة، وقد لا تبدو هذه المشكلة بالأمر المفاجئ بالنظر إلى مكانهم، فمدينة إل باسو تقع ضمن حدود صحراء تشيواوان كنتوء بارز من الناحية الغربية لتكساس. وعلى حين يبلغ متوسط الهطولات السنوية في الولايات المتحدة نحو 760 مم، فإن إل باسو لا يتجاوز فيها 220 مم.
ولكن إل باسو كانت على مدى فترة طويلة مثالاً يحتذى به في الحفاظ على الماء، فقد تمكنت هذه المدينة التي تحتوي على 700,000 نسمة من البقاء في الصحراء، بل وحتى الازدهار هناك. وقد كانت إل باسو مصدر حلول للمدن الأخرى على مدى سنوات عديدة مع تفاقم الضغط على موارد المياه بسبب الزيادة السكانية والتغير المناخي.
اقرأ أيضاً: دراسة: موجات الجفاف الحادة يمكن أن تبدأ فوق المحيطات
لا بد من مواجهة التغير المناخي
لقد قامت إل باسو بكل ما يمكن القيام به من الإجراءات، فقد أطلقت العديد من البرامج لإقناع السكان باستخدام كميات أقل من المياه، وطبقت العديد من الأنظمة التكنولوجية، بما فيها التحلية وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وذلك لزيادة مواردها المائية. كما استثمرت المدينة مئات الملايين من الدولارات في هذه الإجراءات التكيفية، واكتسبت سمعة عالمية بفضل حسن تخطيطها، وقد وصلت الأمور إلى درجة أن أحد الرؤساء السابقين لمؤسسة خدمات المياه أعلن، وفي تصريح شهير، أن إل باسو "منيعة على الجفاف".
أما الآن، فإن موجات الجفاف الشديد الجديدة بدأت تضغط بقوة حتى على خطط إل باسو المحكمة. ومع تصاعد وتيرة التغير المناخي، ومسارعة المدن في كل مكان إلى اتخاذ إجراءات التكيف، فقد أصبح من الواضح أن الحلول التكنولوجية قادرة على تحسين نوعية الحياة في الأماكن التي تندر فيها المياه، ومنع وصول الأوضاع إلى درجة تدفع الناس إلى الهجرة إلى مكان آخر. ولكن كل إجراء جديد يترافق بتكلفة جديدة، وجميع هذه الإجراءات تحمل خطورة ترك البعض في مواجهة المشكلة. ومع تصاعد الضغوط، فإن بعض الأماكن مثل إل باسو وغيرها تدفعنا إلى التساؤل حول مدى فعالية إجراءات التكيف.
اقرأ أيضاً: تخيل أن تنظيف الهواء الذي نتنفسه قد يؤدي إلى تفاقم موجات الجفاف
خطوات اتخذتها إل باسو للتكيف مع الجفاف
وعلى غرار الحلقة التي يتركها الماء في حوض الاستحمام، فإن خطاً في الصخر يمثل تاريخ الماء في مخزن إيليفانت بوت، وهو بحيرة اصطناعية تشكلت بسبب سد إيليفانت بوت، وتركزت بين الجبال التي تبعد نحو ساعتين بالسيارة عن إل باسو باتجاه الشمال. يصل تدفق الثلوج الذائبة من الجبال في كولورادو إلى هنا قبل أن يصب في النهر. وبعد ذلك، يقوم مكتب الاستصلاح الأميركي بتوزيع الحصص على مجموعات مختلفة، تسمى مقاطعات الري، في نيو مكسيكو وتكساس. وفي نهاية المطاف، يصل جزء من هذه المياه إلى الحقول، مثل حقول تيريس.
أما اليوم، فقد انخفض مستوى الماء إلى مسافة كبيرة تحت ذلك الخط الصخري، ما أدى إلى كشف الصخور وجسم السد على مسافة مئات الأمتار من كل جهة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كانت نسبة المياه في الخزان تساوي 5% فقط من سعته الإجمالية.
لقد كان إيليفانت بوت يزود حوض النهر في الجنوب بكمية شبه مستقرة من الماء على مدى السنوات المئة الماضية. ولكن، وكما يقول بين كالمينسون، مدير محطة توليد الكهرباء في إيليفانت بوت: "يمكن أن تمر سلسلة طويلة للغاية من السنوات الجافة، تماماً كما نرى حالياً". وعندما يحدث هذا، سيفرغ الخزان.
اقرأ أيضاً: بعض الأخبار الجيدة النادرة حول التغير المناخي
جفاف نادر
وما بين يناير/ كانون الثاني من العام 2020 وأغسطس/ آب من العام 2021، عانت منطقة جنوب غرب الولايات المتحدة من جفاف تاريخي، فلم تتجاوز كمية الأمطار في المنطقة 432 مم، على حين يصل المتوسط على مدى السنوات العشرين الماضية إلى 610 مم. ووفقاً للنماذج المناخية، يوجد احتمال يساوي تقريباً 2% بهطول كمية قليلة من الأمطار في أي سنة، كما حدث في 2020. وبالتالي، فإن جفاف 2020 كان عبارة عن حدث يقع مرة كل 50 سنة، كما تقول إيلا سيمبسون، وهي باحثة مناخية في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي.
وتضيف قائلة إنه لا يوجد دليل على أن التغير المناخي هو الذي تسبب بنقص الأمطار، حيث تمر المناطق بفترات جفاف بين الحين والآخر. ولكن إضافة الحرارة إلى هذا الوضع تعني تفاقم أثر الجفاف، وزيادة وضوح دور التغير المناخي في هذه المسألة.
في الفترة الواقعة ما بين يونيو/ حزيران من العام 1994 ويوليو/ تموز من العام 2013، أثر الجفاف بشدة على مستويات المياه في خزان إيليفانت بوت، وتبدو النتائج واضحة في الصور التي تبين مقارنة بين فترة ما قبل الجفاف وما بعده. حقوق الصورة: جيسي آلين وروبرت سيمونز/ لاندسات/ ناسا.
وبما أن الهواء الساخن يحمل من البخار أكثر مما يحمله الهواء البارد، فسوف تتبخر كمية أكبر من الماء عند ارتفاع الحرارة. ومن إحدى طرق قياس هذا الأثر معامل نقص ضغط البخار (أو VPD)، وهو الفرق بين كمية بخار الماء التي يستطيع الهواء حملها، والكمية الموجودة فعلياً، فإذا كان هذا المعامل مرتفعاً، فهذا يعني أن الهواء متعطش للبخار، ومن المرجح عندها أن تكون آثار الجفاف أسوأ، حيث يتبخر الماء بسرعة أكبر من الأنهار والبحيرات والتربة وحتى النباتات.
وهناك احتمال يقدر بنحو 0.4% فقط في أي من السنوات لوصول مستويات هذا المعامل إلى المستويات التي شهدتها منطقة الجنوب الغربي في 2020، وذلك وفقاً للنماذج المناخية، ما يجعله حدثاً يقع حوالي مرة واحدة كل 200 سنة. وتضيف سيمبسون أنه من المحتمل أيضاً أن هذا ما كان ليقع في ذلك الوقت دون التغير المناخي. وستصبح مستويات "VPD" المرتفعة أكثر تكراراً مع ارتفاع الحرارة، وستصبح المستويات التي شهدناها في 2020 حدثاً يتكرر مرة واحدة كل 10 سنوات في منطقة الجنوب الغربي بحلول العام 2030. تقول سيمبسون: "لقد وصلنا إلى مرحلة نستطيع فيها رؤية هذه الدلائل على التغير المناخي في العالم الحقيقي".
اقرأ أيضاً: الهجرة بسبب تغير المناخ تدق ناقوس أخطار مستقبلية كبرى
المياه الجوفية في خطر
وعلى حين يعتمد المزارعون على نهر ريو غراندي للري، فإن أغلب المياه التي يشربها مواطنو إل باسو تأتي في الواقع من طبقات صخرية مائية عميقاً تحت الأرض، ويبدو أن هذه الموارد المائية الهامة معرضة أيضاً للخطر.
ففي 1979، توقع مجلس تنمية المياه في تكساس بأن إل باسو ستفقد كامل مخزونها من المياه الجوفية بحلول العام 2031. وفي ذلك الوقت، كان كل مواطن يستهلك وسطياً أكثر من 200 جالوناً من المياه يومياً. وكانت معظم تلك المياه تُسحب من مخزني المياه الجوفية الخاصين بالمدينة، وهما هويكو بولسون في الشرق وميسيلا بولسون في الغرب.
وعلى مدى العقدين التاليين، أطلقت مؤسسة خدمات المياه حملة لتشجيع المواطنين على استخدام كمية أقل من المياه بعدة طرق، مثل استبدال المرجة الأمامية للمنزل بالنباتات المحلية. واليوم، انخفض استهلاك المياه وسطياً إلى 134 جالوناً من المياه يومياً. وعلى الرغم من أن هذا الرقم أعلى من المتوسط الوطني للولايات المتحدة، والبالغ 82 غالوناً، فإنه أقل من الاستهلاك في بعض الأماكن الأخرى من البلاد ضمن مناخات جافة مشابهة، مثل أريزونا (145 غالوناً) ويوتاه (169 غالوناً).
ولهذا، فإن مخازن المياه الجوفية في حال أفضل، إلى حد ما. يقول سكوت راينر، مدير الموارد في مؤسسة المياه في إل باسو: "إن مستوى المياه ينخفض، ولكن ليس بسرعة". وعلى الرغم من هذا، فإن كمية المياه الخارجة من مخزن المياه الجوفية ما زالت أكبر من كمية المياه الداخلة إليه.
تقوم مؤسسة المياه في إل باسو بضخ ما بين 40,000 و50,000 فدان-قدم، وتعوضها بنحو 5,000 فدان-قدم. (الفدان-قدم واحدة قياس غريبة تستخدمها مؤسسات المياه، وهي كمية المياه الكافية لتغطية فدان من الأرض، أو ما يزيد قليلاً على مساحة ملعب كرة قدم، بالماء بعمق قدم واحد). هناك أيضاً بعض التسربات من مصادر مياه جوفية أخرى ومن النهر، ولكنها لا تكفي على الأرجح لمجاراة الضخ.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي يُحدث موجة حر تفوق المعدلات القياسية في شمال غرب الولايات المتحدة
دلائل واضحة للتغير المناخي
فمدينة خواريز في المكسيك تقع قرب الريو غراندي تماماً جنوب إل باسو. وحالياً، تستهلك خواريز نحو نصف ما تستهلكه إل باسو بالنسبة لكل شخص من السكان. ولكن، وبما أن عدد السكان يرتفع، وبما أن المدينة تعتمد بشكل شبه كامل على هويكو بولسون، فإنها تؤثر بشكل واضح على مستويات خزان المياه الجوفية.
ومع تواصل الضخ وتزايد عدد السكان في كلتا المدينتين، فقد تبدأ بعض الآبار بالجفاف بعد نحو 40 سنة، كما يقول أليكس ماير، وهو مهندس مدني في جامعة تكساس في إل باسو. ولكن، من المحتمل أن تقع المشاكل حتى قبل هذا، لأن تواصل الضخ يؤثر على جودة المياه الجوفية.
قفز تيريس خارجاً من شاحنته، ومشى نحو ما يبدو عموداً للتمديدات. وبعد ذلك، فتح باب صندوق معدني وحرك مفتاحاً، وبدأت المضخة بالعمل، وبدأ ماء يحمل مسحة بنية بالخروج من أنبوب مجاور نحو القنوات الإسمنتية التي تمتد على مساحة الأرض.
تفيد هذه الآبار في تعزيز ما يحصل عليه تيريس من النهر، وهي متوزعة عبر حقوله، وتسحب الماء من أعماق تصل إلى مئات الأمتار تحت الأرض. هذا الماء أكثر تكلفة مما يحصل عليه تيريس من النهر، ولكن خلال الجفاف، فإن هذا الماء يساعده على إنقاذ محاصيله ومصدر رزقه.
اقرأ أيضاً: موجات الحر الأخيرة توضح لنا أهمية إصلاح أنظمتنا الكهربائية
ملوحة المياه الزائدة
انحنى تيريس داخل الشاحنة، وأخرج منها كوب عينات صنعه بنفسه من النصف الأسفل من زجاجة ماء بلاستيكية، إضافة إلى أداة تبدو أقرب إلى محقن أو قلم سميك. وبعد أن ترك الماء يخرج من البئر لبضع دقائق، ملأ الكوب وغمس إحدى نهايتي الأداة في عينة الماء.
آبار متوزعة عبر حقول رامون تيريس لتعزيز الكمية التي يحصل عليها من النهر. أصبح الماء أكثر تكلفة، ولكن خلال الجفاف، سينقذ هذا الماء محاصيله ومصدر رزقه. حقوق الصورة: جستن هاميل.
وهز رأسه بعد أن حدق بالشاشة الصغيرة التي ظهرت الأرقام عليها. هذه الأداة مخصصة لقياس محتوى الماء من الملح بكشف انتقال الكهرباء عبر الماء، وحددت المستوى بقيمة تساوي تقريباً 2,400 جزء في المليون، بعد أن كانت 1,600 لدى قياسها في الصيف قبل الماضي.
ويمكن أن تؤثر الملوحة الزائدة بشكل خاص على أشجار البقان، حيث تنمو هزيلة، وتنتج قدراً أقل من المحصول. وقد لاحظ تيريس أن بضع أشجار على حواف بعض البساتين تبدو بحال سيئة بعض الشيء. ولهذا، بدأ يشعر بالقلق، فإذا زادت ملوحة المياه الجوفية، لن يعود قادراً على استخدامها لري محاصيله.
يتضمن هويكو بولسون نحو 10 ملايين فدان-قدم من المياه العذبة، ونحو ثلاثة أضعاف هذه الكمية من المياه المائلة إلى الملوحة. وفي كل مرة تعمل فيها مضخة لسحب الماء العذب، تتحرك المياه الأكثر ملوحة مقتربة من المدينة.
وفي الواقع، فإن الضخ من إل باسو أدى إلى عكس اتجاه التدفق الطبيعي للمياه الجوفية، والتي كانت تتحرك من الشمال إلى الجنوب، متبعة جريان ريو غراندي. وعلى الرغم من أن المياه الجوفية تتحرك ببطء وعلى فترات تمتد عقوداً كاملة، فإن استمرار الضخ من قبل المزارعين وكبار مستهلكي المدينة، وبوتيرته الحالية، سيؤدي في نهاية المطاف إلى قضاء المياه المالحة على ما تبقى من المياه العذبة، ما يجعل جميع الآبار في المنطقة عديمة الفائدة.
وقبل أن يحدث هذا، فإن إل باسو تحاول الاستفادة من بعض تلك المياه شبه المالحة.
إن الاستفادة من المياه المالحة في أي شيء كان أمراً شبه مستحيل. ولكن التناضح العكسي وغيره من أساليب الفلترة التي طُورت في القرن العشرين فتح الباب أمام احتمالات جديدة.
وتمثل التحلية، وهي إزالة الملح من الماء، نسبة صغيرة ولكنها متنامية من مصادر المياه التي يستخدمها البشر في كافة أنحاء العالم. فقد تضاعفت النسبة الإجمالية ثلاث مرات بين 2005 و2018، واليوم، يحصل نحو 300 مليون شخص على جزء من مياههم من محطات التحلية. ويقع معظم هذه المحطات قرب البحر، حيث يتم إجراء 60% من عمليات التحلية على مياه البحر، كما أن حوالي نصف سعة التحلية تتركز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن في 2007، افتتحت إل باسو أكبر محطة تحلية ضمن البر الرئيسي في العالم، وذلك للاستفادة من المياه شبه المالحة في خزان هويكو بولسون.
وعندما دخلنا إلى غرفة التحكم، حيث تعرض الشاشات قيم التدفقات والضغوط وسرعات المضخات، قال آرت رويز، مشرف المنشأة: "نحن محطة تعمل وفق الطلب". وعبر نوافذ الجدار البعيد، تمكنت من رؤية كامل المنشأة التي تبلغ تكلفتها 90 مليون دولار، ضمن مبنى لا يتجاوز حجمه صالة رياضية في مدرسة ثانوية. وكانت الأنابيب والمضخات المنظمة والمرتبة تغطي أحد الجدران تحت علم أميركي جديد. ولم يكن هناك ما يدل على عمل المحطة سوى هدير مكتوم.
أما ما يقصده رويز بقوله "وفق الطلب" فهو أن محطة التحلية قادرة على زيادة الإنتاج في فترات اشتداد الطلب، مثل موجات الحر، أو أيام العطل والأعياد مثل عيد الميلاد، عندما يكون الجميع في منازلهم قرب الصنابير. وعند عمل المنشأة بالقدرة الكاملة، يمكن أن تنتج ما يفوق 27 مليون جالون من المياه العذبة يومياً. ولكنها تنتج أقل من ذلك بكثير معظم الوقت، وتساهم بنسبة 5% في تلبية الاحتياجات السنوية للمدينة، والتي تتراوح ما بين 85 و145 مليون جالون يومياً.
معالجة المياه المالحة
يعتمد هذا النظام على التناضح العكسي، حيث يتم إجبار الماء شبه المالح على المرور ضمن غشاء بفتحات صغيرة للغاية لدرجة تمنع حتى مرور الملح عبرها. إنها عملية مكلفة. وعلى حين يكلف ضخ المياه العذبة من الأرض –إضافة إلى تعقيمها- حوالي 250 دولاراً لكل فدان-قدم، فإن تحلية المياه الجوفية شبه المالحة تكلف حوالي 700 دولاراً لنفس الكمية، أي حوالي ثلاثة أضعافها.
وعلى الرغم من هذه التكلفة، فقد أصبحت المياه الجوفية المحلاة جزءاً هاماً من المصادر المائية للمدينة، وجزءاً هاماً من الخطط الاحتياطية للمستقبل. إن محطة التحلية واحدة من مشروعين كبيرين في البنى التحتية المخصصة لتعزيز المقاومة ضد الجفاف في إل باسو، أما المشروع الآخر فقد يكون حتى أكثر طموحاً.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن نمنع تلوث الماء؟
أهمية إعادة تدوير المياه
كانت إل باسو تعمل على معالجة وإعادة تدوير بعض من مياه الصرف الصحي فيها على مدى عقود كاملة، وذلك لاستخدامها لري الأعشاب في الحدائق وملاعب الغولف، أو تبريد الآلات في المصانع ومحطات توليد الكهرباء. أما اليوم، فإن معظمها يعاد حقنه في الخزانات الجوفية. ولكن غيلبرت تريجو، وهو المسؤول التقني الأساسي في مؤسسة إل باسو للمياه، لديه حتى رؤية أكبر من ذلك،فإعادة الاستخدام للشرب بصورة مباشرة، والتي غالباً ما يُشار إليها بإعادة التدوير من المرحاض إلى الصنبور، تمثل قمة إعادة التدوير لمياه الصرف الصحي، حيث يتم جمع مياه الصرف من مصارف الحمامات والمغاسل، والمراحيض أيضاً، ومن ثم معالجتها بشكل طبيعي قدر الإمكان، فبعد إزالة الملوثات الصلبة، يُعقم الماء بالكلور. وبعد ذلك، يخضع لمرحلة معالجة إضافية، حيث يُفلتر ويُنظف بالكلور ثانية، ومن ثم يُعقم بالأشعة فوق البنفسجية قبل أن يعاد ضخه للاستخدام في المطابخ والحمامات والحدائق في جميع أنحاء البلاد.
وتعتمد معظم عمليات إعادة تدوير المياه حالياً على تمرير الماء عبر مصدر طبيعي، مثل بحيرة أو نهر، وتوجد بضعة مدن في العالم تطبق عملية إعادة الاستخدام المباشر للشرب. ويُعتبر أحد المواقع في ناميبيا أقدم تلك المواقع وأكبرها. وتعمل إل باسو حالياً على تصميم محطة ستكون أكبر منشأة من نوعها في الولايات المتحدة، وستبدأ العمل في 2025، ومن المرجح أن تكلف نحو 100 مليون دولار، كما يقول تريجو.
ويأمل تريجو بأن المحطة الجديدة ستؤمن مصدراً جديداً ومستقراً للمياه، وتساعد على تخفيف العبء عن المخازن الجوفية عندما ينخفض منسوب النهر. وقد تقبل السكان هذه الفكرة إلى حد كبير، وإن كان هناك من معارضة لها، فهي بسبب التكلفة، لا القرف. ولكن هذه الخطة لا تخلو من المشاكل. ففي أغسطس/ آب 2021، تحطم أنبوبان يحملان مياه الصرف الصحي إلى محطات إعادة التدوير الموجودة مسبقاً في المدينة، وذلك في غربها.
كان من المفترض أن يكون كل من الأنبوبين خطاً احتياطياً في حال تعطل الآخر، وهكذا، عندما تحطم الاثنان، عادت مياه الصرف إلى الحمامات والحدائق. وبوجود المزيد من الأعطال في الأنابيب يومياً، توجب على المدينة العثور على مكان ما لتصريف كل مياه الصرف الصحي. وهكذا، لجأت المدينة إلى المكان الوحيد الذي يمكن أن يتسع للملايين من الجالونات المتسربة من الأنابيب يومياً: ريو غراندي.
من غير المرجح أن تنفد مياه إل باسو في العقود المقبلة، ولكن من المحتمل أن يصبح الحصول على الماء أكثر صعوبة باستمرار، ما يعني بالتالي ارتفاع سعره. وعلى الرغم من أن الحلول التكنولوجية، مثل التحلية وإعادة تدوير مياه الصرف، يمكن أن تساعد، فإن الحلول التي يحتاجها الكثيرون قد تصبح أكثر تعقيداً مع تفاقم الظروف السيئة، كما قد يؤدي تضخيم هذه المشاريع أيضاً إلى مخاطر جديدة تظهر عادة مع الأنظمة الهندسية فائقة التعقيد، كما حدث عندما اضطرت المدينة إلى تصريف مياه الصرف غير المُعالجة في النهر مباشرة.
سيواصل مسؤولو إل باسو محاولة التخطيط للمستقبل. وفي الواقع، فإن إل باسو أصبحت المالك الرسمي -والفخور- لنحو 66,000 فداناً من الأرض تقع على مسافة 145 كيلومتراً تقريباً شرق مدينة ديل في تكساس. وقد ترافق شراء الأرض بشراء حقوق المياه فيها، وإذا تراجعت مصادر الماء للمدينة، فسوف تقوم مؤسسة المياه بحفر آبار في مدينة ديل وضخ المياه إلى إل باسو.
وسيكلف ضخ الماء من مدينة ديل إلى إل باسو ومعالجتها نحو 3,000 إلى 5,000 دولاراً لكل فدان-قدم، أي ما يساوي على الأقل ضعف تكلفة إعادة تدوير مياه الصرف، وأكثر من 10 أضعاف تكلفة المياه الجوفية المحلية أو المياه السطحية في ريو غراندي.
اقرأ أيضاً: كيف نستفيد من توائم الأرض الرقمية في مواجهة التغير المناخي؟
انعكاس ذلك على الوضع المعيشي للسكان
ومن المرجح أن هذه الحلول المكلفة ستنعكس قريباً على فواتير المياه لسكان إل باسو، ويقول تريجو إن الفواتير يجب أن ترتفع في المقام الأول فقط للحفاظ على الأنظمة الموجودة حالياً.
وبالنسبة للبعض، لن تكون هذه الزيادة كبيرة، حيث إن زيادة 2021 التي تتضمن الماء ومياه الصرف ومياه الأمطار وصلت إلى 1.37 دولاراً شهرياً للمستهلك العادي. كما توجد برامج خاصة بمستهلكي الكميات القليلة، وغير القادرين على الدفع. يعيش نحو 19% من سكان إل باسو في الفقر، مقارنة مع نحو 12% على مستوى البلاد.
وهذه الزيادة ليست سوى البداية، كما يقول تريجو. فقد كانت هناك معارضة شعبية متصاعدة ضد هذه الزيادات، ولكن المؤسسة لا تستطيع مواصلة تأجيلها. ويقول: "ستصبح تكاليف المياه في إل باسو أعلى، وسترتفع بسرعة".
وفي الجهة الثانية من النهر، فإن خواريز، شقيقة إل باسو، تحتاج إلى إصلاحات وتحديثات مماثلة في بناها التحتية للتعامل مع مشاكل نقص المياه، ولكنها لا تمتلك ما يكفي من الموارد لتمويلها.
قد يبدو إجراء هذه التعديلات ثمناً صغيراً للحفاظ على تدفق المياه في الصحراء. ولكن، ومع تصاعد الكثافة السكانية، وتزايد طول فترات الجفاف، واحترار الكوكب، فإن المهمة المقبلة بدأت تصبح أكثر جدية وإثارة للقلق.
حيث تتوقع المناطق الغربية أن تشهد سنة أخرى من أنماط الطقس الخاصة بظاهرة "لا نينا" في العام 2022، وهو ما يشير على الأرجح إلى شتاء جاف للمنطقة، وسنة أخرى من مخازن المياه الجوفية شبه الفارغة. ومن المرجح أن الناس الذين يعتمدون على مياه النهر، بدءاً من تيريس وغيره من المزارعين الصغار، وصولاً إلى المسؤولين في إل باسو، لن يحصلوا على حصصهم المتوقعة لهذا العام أيضاً.
ولكن، وعلى الرغم من كل هذه المشاكل المائية، فإن الكثير من سكان إل باسو لن يبرحوا مكانهم. ويخطط تيريس للاستمرار في العمل الزراعي لأطول فترة ممكنة، فهذه المهنة تسير في دمائه، كما يقول. وقد تصبح الزراعة في الصحراء أكثر صعوبة، ولكنها لم تكن قط سهلة في المقام الأول.
ويقول: "لطالما خاض المزارعون هذه المعركة، على الدوام، ولا حل سوى التكيف مع الظروف. علينا أن نتكيف مع الظروف".