هل يمكن للذكاء الاصطناعي إقناع الناس بالتخلي عن نظريات المؤامرة؟

4 دقيقة
هل يمكن للذكاء الاصطناعي إقناع الناس بالتخلي عن نظريات المؤامرة؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تكنولوجي ريفيو | إنفاتو، آي ستوك

ملخص: أصبحت نظريات المؤامرة أكثر انتشاراً بعد ظهور الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، وأصبح التعامل معها ضرورياً بصفتها جزءاً من المعلومات المزيفة التي قد تتسبب بأضرار فادحة. ولهذا، قررت مجموعة من الباحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة كورنيل إجراء تجربة لاستخدام بوت دردشة يعتمد على النموذج اللغوي جي بي تي 4 توربو، في تغيير وجهات نظر مؤيدي نظريات المؤامرة، وقد حققت التجربة نتائج واعدة للغاية حيث تراجعت درجة الاعتقاد عند المشاركين بنسبة 20% وسطياً، ويعود هذا إلى قدرة النماذج اللغوية الكبيرة على الاستعانة بكميات هائلة من المعلومات من أجل صياغة ردود مقنعة تعتمد على أدلة واقعية وحقيقية، إضافة إلى استعداد الناس لتقبّل الأدلة الدامغة التي قد تتعارض مع معتقداتهم، ما قد يفتح المجال لاحقاً لاستخدام هذه الطريقة على نطاق أوسع في منتديات نظريات المؤامرة ومنصات التواصل الاجتماعي.

أصبح الاطلاع على نظريات المؤامرة ونشرها أسهل من أي وقت مضى بوجود الإنترنت. وعلى حين أن بعض هذه النظريات ليس له عواقب ضارة، فإن بعضها الآخر قد يؤدي إلى أضرار فادحة، حيث ينشر بذور الخلافات، وقد يؤدي حتى إلى إزهاق الأرواح سدى.

والآن، يعتقد الباحثون أنهم اكتشفوا أداة جديدة لمكافحة نظريات المؤامرة المزيفة: بوتات الدردشة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وجد باحثون من كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) وجامعة كورنيل أن الدردشة حول نظرية مؤامرة مع نموذج لغوي كبير تؤدي إلى تراجع إيمان الناس بصحتها بنسبة 20% تقريباً، حتى لدى المشاركين الذين زعموا أن معتقداتهم هذه تمثل جزءاً مهماً من هوياتهم. وقد نشر الباحثون عملهم هذا مؤخراً في مجلة ساينس (Science).

يمكن أن تمثل هذه النتائج خطوة مهمة نحو تحديد كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يتبنون مثل هذه النظريات التي تفتقر إلى الأساس وتثقيفهم، كما يقول الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة يوناو (جيري) تشانغ، وهو مرتبط بمعهد علم النفس التكنولوجي (Psychology of Technology Institute) الذي يدرس تأثيرات الذكاء الاصطناعي على المجتمع.

ويقول: "تبين هذه النتائج أن الاستعانة بالنماذج اللغوية الكبيرة قد لا تحل المشكلة بالكامل، لكنها قد تستطيع تخفيفها على الأقل. وهذا يشير إلى طريقة لجعل المجتمع أفضل مما هو عليه".

اقرأ أيضاً: جوجل تتصدر السباق في الحوسبة الكمومية بفضل ابتكار خوارزمية تصحيح الأخطاء

كيف يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي أن تغيّر  آراء المؤمنين بنظريات المؤامرة؟

يقول الباحث المنتسب إلى كلية سلون للإدارة التابعة لإم آي تي، توماس كوستيلو، والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة، إنه ثمة بضعة أساليب أثبتت قدرتها على تغيير آراء مؤيدي نظريات المؤامرة. من النواحي التي تجعل هذا العمل صعباً للغاية هو أن الأشخاص المختلفين يتمسكون بجوانب مختلفة من نظرية المؤامرة، وهذا يعني أن تقديم بعض الأدلة الواقعية والصحيحة قد يفيد في التعامل مع أحد المؤمنين بنظريات المؤامرة، غير أن هذا لا يضمن نجاح هذه الطريقة مع غيره.

وهنا يأتي دور نماذج الذكاء الاصطناعي، على حد قول كوستيلو. ويقول: "تستطيع هذه النماذج أن تصل إلى كميات هائلة من المعلومات التي تغطي الكثير من الموضوعات المتنوعة، وقد جرى تدريبها باستخدام الإنترنت. ولهذا، تمتلك القدرة على صياغة حجج معاكسة تستند إلى معلومات صحيحة وواقعية حول نظريات مؤامرة معينة يؤمن بها الناس".

اختبر الفريق هذه الطريقة من خلال الاستعانة بما يصل إلى 2,190 عاملاً جرى جمعهم بطريقة التعهيد الجماعي، حيث طلب الفريق من هؤلاء المشاركين الدخول في حوارات مع جي بي تي 4 توربو (GPT-4 Turbo)، وهو أحدث نموذج لغوي كبير من أوبن أيه آي (OpenAI).

طلب الفريق من المشاركين أن يتحدثوا عن بعض التفاصيل حول نظرية مؤامرة بدت منطقية بالنسبة لهم، والأسباب التي دفعت بهم إلى تصديقها، والأدلة التي يشعرون بأنها تدعم صحة هذه النظرية. جرى استخدام هذه الإجابات لصياغة ردود من بوت الدردشة، الذي أوعز إليه الباحثون من خلال الأوامر النصية بالتحلي بأعلى درجة ممكنة من الإقناع.

طلب الباحثون من المشاركين وضع درجة تعبر عن مدى ثقتهم بصحة نظرية المؤامرة التي اختاروها، وذلك على مقياس يبدأ من الصفر (النظرية خاطئة بالتأكيد) وصولاً إلى 100 (النظرية صحيحة بالتأكيد)، ثم وضع تقدير لمدى أهمية هذه النظرية بالنسبة إلى فهمهم للعالم المحيط بهم. بعد ذلك، دخل المشاركون في 3 جولات من الحوارات مع بوت الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي. وقد اختار الباحثون تكرار الحوارات على مدى 3 جولات حرصاً على جمع ما يكفي من الحوارات التي تحمل مغزى مهماً.

بعد كل حوار، كان الباحثون يطرحون على المشاركين أسئلة التقييم السابقة نفسها. تابع الباحثون عملهم مع المشاركين جميعاً بعد 10 أيام من التجربة، ثم بعد شهرين، وذلك لتقييم مدى تغير وجهات نظرهم بعد الحوار مع بوت الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي. أظهرت التقارير أن اعتقاد المشاركين بصحة نظرية المؤامرة التي اختاروها تراجع بنسبة 20% وسطياً، ما يشير إلى أن التحدث مع البوت أدى إلى تغييرات جذرية في عقول البعض.

يقول تشانغ: "حتى ضمن بيئة مختبر، فإن نسبة 20% تمثل أثراً كبيراً من حيث تغيير معتقدات الناس. قد يكون هذا التغيير أضعف في العالم الحقيقي، لكن حتى نسبة 10% أو 15% تمثل تغيراً كبيراً للغاية".

اقرأ أيضاً: أداة جديدة من جوجل تعد بتغيير تجربة البحث على الويب إلى الأبد

إجراءات وقائية ضد هلوسة نماذج الذكاء الاصطناعي

سعى المؤلفون إلى اتخاذ إجراءات وقائية ضد ميل نماذج الذكاء الاصطناعي إلى اختلاق المعلومات –وهي ظاهرة معروفة باسم "الهلوسة" (hallucinating)- من خلال توظيف شخص محترف في مجال تدقيق الحقائق لتقييم دقة المزاعم التي قدمها الذكاء الاصطناعي، والتي بلغ عددها 128. وقد تبين أن نسبة 99.2% من هذه المزاعم صحيحة، على حين تبين أن نسبة 0.8% منها مُضَلِّلَة، ولم يتبين أن أياً منها خاطئ بالكامل.

من التفسيرات المحتملة لهذه الدرجة العالية من الدقة أن الإنترنت تتضمن الكثير من المواد المكتوبة عن نظريات المؤامرة، ما يعني أن هذه المواد موجودة على نحو مكثف ضمن البيانات التي تدرب النموذج عليها، على حد قول الأستاذ في كلية سلون للإدارة التابعة لإم آي تي، ديفيد راند، وهو أحد المشاركين في المشروع أيضاً. ويضيف قائلاً إن جي بي تي 4 توربو يتصف بدرجة عالية من القابلية للتكيف، ما يعني إمكانية وصله بسهولة بالمنصات المختلفة التي يمكن للمستخدمين أن يتفاعلوا معها في المستقبل.

بوتات الدردشة لمكافحة انتشار نظريات المؤامرة على نطاق واسع

ويقول: "يمكنك أن تتخيل مجرد التوجه إلى منتديات نظريات المؤامرة، ودعوة الناس فيها إلى إجراء أبحاثهم الخاصة من خلال مناقشة بوت الدردشة. وعلى نحو مماثل، يمكن ربط منصات التواصل الاجتماعي بالنماذج اللغوية الكبيرة، لنشر ردود مصوغة على وجه الخصوص لتصحيح وجهات نظر الأشخاص الذين يشاركون منشورات حول نظريات المؤامرة، أو يمكن أن نشتري إعلانات مخصصة لمحرك البحث جوجل لمكافحة مصطلحات البحث المتعلقة بنظريات المؤامرة، مثل "الدولة العميقة" (Deep State)".

اقرأ أيضاً: لماذا ما يزال حل مشكلة هلوسة الذكاء الاصطناعي صعباً حتى مع آخر تحديثات تشات جي بي تي وجيميناي؟

يقول الأستاذ المشارك في جامعة كورنيل والذي عمل أيضاً على هذا المشروع، غوردون بينيكوك، إن البحث قلب مفاهيم المؤلفين المسبقة حول مدى تقبل الأشخاص للأدلة القوية التي لا تفضح زيف نظريات المؤامرة فحسب، بل أيضاً المعتقدات الأخرى التي لا تستند إلى معلومات عالية الجودة.

ويقول: "لقد استجاب المشاركون للأدلة على نحو رائع، وهذا أمر في غاية الأهمية، فالأدلة مهمة فعلياً".