أصبحت النفايات البلاستيكية واحدة من أكثر القضايا البيئية إلحاحاً على مستوى العالم، وذلك لأن تأثيرها يمتد على مستوى البر والبحر معاً، ويرجع ذلك أساساً إلى أنها شديدة التحمل ويمكنها التواجد لفترة طويلة من الزمن والانتقال لمسافات طويلة، بالإضافة إلى القدرة على التراكم بكميات هائلة توجد أحياناً في أجزاء من المحيطات لم يسبق للإنسان رؤيتها من قبل.
وعلى الرغم من أن هناك الكثير من المواد الخام المفيدة المحتملة التي يمكن استخراجها من النفايات البلاستيكية، لكن الاستمرار في صنع المزيد من هذه المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد يعتبر أقل تكلفة بكثير من استعادتها وإعادة تدويرها. ولحل هذه المشكلة توصل فريق بحث دولي إلى طريقة واعدة لتدوير المواد البلاستيكية التي يصعب تدويرها.
كيف تؤثّر النفايات البلاستيكية على دورة الكربون؟
نظراً إلى أن البوليمرات البلاستيكية شديدة الثبات، فإن كل قطعة بلاستيكية تقريباً أُنتجت لا تزال في مكانٍ ما على هذا الكوكب، وفي الواقع فإن كل البلاستيك الذي تم إنتاجه هو جزء من دورة الكربون، وينقل البلاستيك الكربون بطرق مختلفة. على سبيل المثال، يمكن أن يتسلل البلاستيك إلى داخل الكائنات الحية أو يستقر في قاع المحيط كمجموعات من البلاستيك والمواد العضوية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبلاستيك إطلاق غازات الدفيئة في كل مرحلة من مراحل دورة حياته، من الإنتاج إلى النقل إلى التخلص منه، وهو ما يتطلب من العلماء والحكومات التحقيق في كيفية نقل التلوث البلاستيكي للكربون، لأن إعادة توزيع المغذيات لها آثار على سُبل عيش النُظم البيئية والكائنات الحية.
اقرأ أيضاً: كيميائيون ينجحون في تحويل خليط من البلاستيك إلى غاز البروبان
خفض درجة الحرارة والتحكم في التفاعل
عادةً ما تتطلب إعادة تدوير البلاستيك تكسير أو فصل الروابط القوية والمستقرة التي تجعله أكثر صلابة، حيث تتطلب عمليات التكسير درجات حرارة عالية ما يجعلها باهظة الثمن وتستهلك الكثير من الطاقة. ولكن بحسب الدراسة التي تم نشرها في مجلة العلوم (Science)، فإنه يمكن القيام بهذه العملية عن طريق خفض درجة الحرارة والتحكم في التفاعل.
فوفقاً للدراسة، تمكّن العلماء من الجمع بين خطوة التكسير وخطوة التفاعل الثانية التي تكمل على الفور التحويل إلى وقود شبيه بالبنزين السائل دون منتجات ثانوية غير مرغوب فيها، وتتضمن خطوة التفاعل الثانية ما يعرف باسم محفزات الألكلة (Alkylation Catalysts) المستخدمة حالياً في صناعة البترول لتحسين تصنيف الأوكتان للبنزين.
اقرأ أيضاً: تطوير إنزيم يفكك البلاستيك خلال أسبوع بالاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
في الدراسة التي تم نشرها، أشار فريق البحث الذي شارك في قيادته علماء من جامعة ميونيخ التقنية بألمانيا، إلى التطورات الأخيرة المنفصلة التي شهدتها صناعة البترول لتسويق الجزء الثاني من العملية المذكورة هنا لمعالجة النفط الخام، حيث يمكن استخدام العملية نفسها لفصل النفايات البلاستيكية الثابتة عند درجة حرارة الغرفة تقريباً.
ويشير كبير مؤلفي الدراسة ومدير معهد التحفيز المتكامل التابع لمختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني (PNNL)، وأستاذ الكيمياء في الجامعة التقنية في ميونيخ (TUM) يوهانس ليرشر (Johannes Lercher)، إلى أن نجاح صناعة البترول بنشر محفزات الألكلة الناشئة، يدل على طبيعتها المستقرة والقوية، حيث تشير هذه الدراسة إلى حل عملي جديد لإغلاق دورة الكربون لنفايات البلاستيك أقرب إلى التنفيذ من العديد من المقترحات الأخرى.
اقرأ أيضاً: مفاعل يعمل بالطاقة الشمسية يحوّل البلاستيك وغازات الاحتباس الحراري إلى وقود
بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون في دراستهم وجود قيود على النتائج التي توصلوا إليها، حيث تعمل العملية مع منتجات البولي إيثلين المنخفض الكثافة (LDPE) مثل الأغشية البلاستيكية والزجاجات القابلة للعصر، ومنتجات البولي بروبلين (PP) التي لا يتم جمعها عادةً في برامج إعادة التدوير.
النفايات البلاستيكية كوقود مستقبلي
تعتبر النفايات البلاستيكية مورداً غير مستغل يمكن أن يكون بمثابة مادة أولية للوقود، وتستهدف هذه الدراسة أكثر من 360 مليون طن من البلاستيك المنتج عالمياً كل عام، لكن النظر إلى جبل من البلاستيك ورؤية قيمته يتطلب ابتكاراً وبراعة كيميائية وفهماً واقعياً للاقتصاديات المعنية.
اقرأ أيضاً: ما هو التلوث الضوئي وكيف يؤثّر على الكائنات الحية؟
من أجل هذا يحاول العلماء تغيير الديناميكية من خلال تطبيق خبراتهم في كسر الروابط الكيميائية بكفاءة، حيث يقول كبير مؤلفي الدراسة: "لحل مشكلة النفايات البلاستيكية الثابتة، نحتاج إلى الوصول إلى نقطة حرجة حيث يكون من المنطقي جمعها وإعادتها لاستخدامها بدلاً من معالجتها على أنها يمكن التخلص منها".
وأشار إلى أن البحث الذي قاموا به أظهر أنه يمكن إجراء هذا التحويل بسرعة وفي ظروف معتدلة، ما يوفر أحد الحوافز للمضي قدماً إلى نقطة التحول تلك.