تعرف على الباحث الجزائريّ كمال يوسف تومي وإسهاماته في تطوير المجاهر والروبوتات

4 دقائق
مصدر الصورة: إم آي تي نيوز

النشأة والدراسة والعمل 

ولد كمال يوسف تومي في مدينة قصر البخاري الجزائرية سنة 1954 حيث تلقى تعليمه الابتدائيّ والثانويّ، وانتقل بعدها للدراسة في جامعة باب الزوار في اختصاص الهندسة الميكانيكية، إلا أنه لم يُكمل دراسته فيها بسبب نيله لمنحةٍ دراسية دفعته لإكمال دراسته في الولايات المتحدة الأميركية حيث نال شهادة الإجازة في الهندسة الميكانيكية من جامعة سينسيناتي سنة 1979، وأتبعها بمرحلة الدراسات العليا ليحصل على شهادة الماجستير سنة 1981 من جامعة إم آي تي، التي حصل منها أيضاً على شهادة الدكتوراه سنة 1985. 

انضم كمال يوسف تومي كأستاذٍ مُساعد في كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة إم آي تي سنة 1986، ومنذ ذلك الوقت وهو يعمل باحثاً في مجال نظرية التحكم وتطبيقاتها في الأنظمة الديناميكية ومجاهر القوى الذرية فائقة السرعة. ركز البروفيسور كمال يوسف تومي في أبحاثه على تصميم المُتحكمات للأنظمة ذات الديناميكية المجهولة، وبشكلٍ خاص، تطوير تقنيات التحكم ذات التكيف السريع، ونمذجة ومحاكاة الأنظمة الديناميكية. تضمنت التطبيقات الناتجة عن أبحاثه مجالات علم القياس، والأنظمة الروبوتية، ونظم الأتمتة والتقانة النانوية والحيوية. يقوم البروفيسور كمال يوسف تومي إلى جانب عمله البحثيّ بتدريس المُقررات الدراسية التالية: مُقرر الأنظمة الديناميكية والتحكم، ومقرر التصميم والتصنيع، ومُقرر تحليل وتصميم أنظمة التحكم ذات التغذية الراجعة، وأخيراً مُقرر الأنظمة الديناميكية وأنظمة التحكم المُتقدمة. علاوةً عن ذلك، يشغل البروفيسور تومي منصب مدير مركز المياه والطاقة النظيفة في جامعة إم آي تي. 

إنجازات بحثية

يمتلك البروفيسور تومي في رصيده كماً كبيراً من الأبحاث الهامة في مجال التحكم والأنظمة الميكانيكية، حيث فاق عدد الأبحاث التي شارك بنشرها 150 بحثاً فضلاً عن تأليفه لكتابٍ مرجعيّ في مجال الروبوتات ذات التحكم المباشر وامتلاكه لتسع براءات اختراع ومشاركته بأكثر من 120 مؤتمر لشركاتٍ وجامعاتٍ حول العالم. 

من الإنجازات الهامة التي جلبت شهرةً كبيرة للبروفيسور تومي هو قيامه بتطوير نظامٍ روبوتيّ قادر على السباحة في الماء بشكلٍ مشابه لقدرة الأسماك، وفي حين أن الإنجاز نفسه ليس جديداً من حيث المبدأ؛ إذ سبق وأن قام مهندسون في جامعة إم آي تي بتطوير نظامٍ روبوتيّ قادر على السباحة في الماء سنة 1994، إلا أن نظامهم آنذاك كان معقداً للغاية وتكوّن من 2843 مكونٍ مُختلف تقودها ستة محركات، في حين أن النظام الجديد الذي تم الكشف عنه سنة 2009 يتكون من 10 مكوناتٍ يقودها محركٌ وحيد، كما أن النظام الروبوتيّ الجديد يتصف بكونه ذا هيكلٍ مُتواصل (بمعنى أنه غير مُجزأ)، وعلاوةً على ذلك، فهو مرنٌ للغاية بفضل تركيبه من بوليميراتٍ لينة، مما يجعله أكثر قُدرة على المناورة وأكثر كفاءة بتقليد حركة السباحة للسمكة الطبيعية. بهذا الشكل، يمكن استخدام السمكة الروبوتية الجديدة في عمليات الاستكشاف تحت الأعماق لرصد القوارب الغارقة، وأنابيب النفط والغاز، وأعماق البحيرات والأنهار من أجل الكشف عن الملوثات البيئية. 

في عملٍ آخر يرتبط بمجال المجاهر، أشرف البروفيسور تومي سنة 2015 على بحثٍ يهدف لتطوير آلية مجاهر القوى الذرية المُستخدمة لمسح البنى الدقيقة التي تصل أبعادها لرتبة النانومتر. إحدى المشاكل المرتبطة بعمل هذه المجاهر هي ضرورة بقاء العينة ساكنة أثناء عملية المسح، وفي حال تحرك العينة، فإن الصورة الناتجة عن المسح لن تكون دقيقة. ويمكن تجاوز هذه المشاكل عبر تسريع حركة إبرة المسح المتوضعة برأس المجهر، إلا أن ذلك يتطلب تصغير أبعاد إبرة المسح نفسها، وهو ما يؤدي لجعل النطاق القابل للمسح أصغر. ما أراده البروفيسور تومي وفريقه البحثيّ هو إتاحة عملية مسح سريعة مع المحافظة على نطاقٍ واسع، وتمكنوا من تحقيق ذلك عبر تطوير نظامٍ متعدد المشغلات، أي ذو إبرةٍ بطيئة لمسح البنية على نطاقٍ كبير وإبرةٍ صغيرة تتيح المسح السريع ضمن نطاقٍ صغير. 

ولضمان عمل النظام على أفضل نحوٍ ممكن، تم تطوير خوارزمية تزامنية تضمن عدم حصول تعارضٍ بين عمل الإبرتين، وهذا أدى لتطوير نظام مسحٍ جديد قادر على العمل أسرع من المجاهر المتوافرة تجارياً بـ 2000 مرة، بما يساهم بتوليد إطاراتٍ بمعدلٍ يصل حتى 10 إطارات بالثانية. أظهر الفريق نتائج عملهم عبر تصوير عملية التآكل الحمضيّ لقطعةٍ من الكالسيوم تبلغ أبعادها 70x70 ميكرون وكيفية زوال الطبقات الكلسية ضمن البنية البلورية للمادة خلال زمنٍ لم يتجاوز عدة ثوان، وهو إنجازٌ هام يتيح الحصول على قدراتٍ أفضل وأعلى دقة في مجال تصوير العمليات الكيميائية الدقيقة. 

ساهم البروفيسور تومي أيضاً بأبحاثٍ هادفةٍ لحل مشاكل ميكانيكية تطبيقية تكلف كثيراً على الصعيدين الاقتصاديّ والبيئيّ، وهنا يأتي العمل البحثيّ المنشور سنة 2014 كمثالٍ شهيرٍ على ذلك؛ إذ شارك البروفيسور تومي في تطوير نظامٍ روبوتيّ قادر على كشف تسريب الأنابيب بدقةٍ عالية. تعتبر مشاكل التسريب في الأنابيب الناتجة عن تصدعٍ في بنيتها إحدى المشاكل التي تتطلب مراقبةً دائمة، ولكن المشكلة أن أنظمة المراقبة التقليدية قاصرة -في الكثير من الحالات- على كشف التسريب خصوصاً إن كان ذا أبعادٍ صغيرة، فضلاً عن كون هذه الأنظمة بطيئة وتتطلب وقت عملٍ طويل. 

في العمل البحثيّ الذي تم بالمشاركة مع جامعة الملك فهد للعلوم النفطية في المملكة العربية السعودية، قدم البروفيسور تومي وفريقه نظاماً روبوتياً يمتلك القدرة على كشف التسريبات حتى أبعادٍ صغيرة تصل لحدود المللي متر ، وذلك عبر تحسس تغيرات الضغط في مناطق التسريب، كما يتميز بقدرته على الحركة حتى سرعةٍ تبلغ 3 ميل بالساعة وامتلاكه لنظام تحكم مؤتمت يتيح تشغيله فترةٍ زمنية طويلة وإجرائه لعمليات مسحٍ ومراقبة متواصلة لنظام الأنابيب من دون تدخل المُشغل. 

وفي تطويرٍ على الإنجاز السابق، نشر البروفيسور تومي وفريقه البحثيّ ورقةً علمية أخرى سنة 2017 تصف تطوير نظامٍ روبوتيّ جديد قادرٍ على التنبؤ والكشف عن المشاكل البنيوية في أنظمة الأنابيب التي قد تؤدي لاحقاً إلى نشوء تسريبٍ فيها، بما يساهم بتجنب الكوارث والمشاكل المرتبطة بحوادث التسرّب. يتكون النظام من روبوتٍ صغير ذو بنيةٍ مطاطية يمكن حقنه ضمن بنية الأنبوب الناقل للسائل حيث يتحرك الروبوت مع مجرى السائل نفسه. يقوم النظام الروبوتي بإجراء قياساتٍ لتغيرات الضغط وتسجيل مكان كل قياس. أخيراً يتم سحب الروبوت المطاطيّ من مجرى الأنبوب واسترجاع كافة البيانات التي قام بتسجيلها والتي يمكن عبر تحليلها تحديد ما إذا كان هنالك خطر نشوء تسريب ضمن أحد أجزاء الأنبوب. تم إثبات قابلية الروبوت على العمل ضمن أنابيب المياه وكذلك ضمن أنابيب نقل الغاز الطبيعيّ، وحصل فريق البروفيسور تومي بفضل هذا الإنجاز على عدة منح تمويلية تساعد على تحويل نظامهم لمجال الإنتاج التجاريّ. 

جوائز وتكريمات

حصل البروفيسور تومي خلال مسيرته على العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لجهوده البحثية والعلمية في مجال الأنظمة الروبوتية وعلوم التحكم، ومن أبرز هذه الجوائز: 

  • جائزة الأبحاث المتقدمة عالية التأثير من شركة ناشيونال إنسترومنت عن تطويره لمجهر القوى الذرية فائق السرعة ذي المجال الواسع، 2014
  • جائزة أفضل ورقة بحثية بمجال الأنظمة الديناميكية من الجمعية الأميركية للهندسة الميكانيكية، 1999
  • كرسي كارل ريتشارد سودربرغ للتطوّر المهنيّ في جامعة إم آي تي، زمالة الأستذة في هندسة الطاقة، 1988 – 1990
  • جائزة الباحث اليافع تقديراً لجهوده وإنجازاته في البحث والتدريس، المؤسسة الأميركية الوطنية للعلوم، 1987