ثورة علمية جديدة في الزراعة: أول بذور روبوتية رباعية الأبعاد

3 دقائق
ثورة علمية جديدة في الزراعة: أول بذور روبوتية رباعية الأبعاد
حقوق الصورة: shutterstock.com/Butusova Elena

لم تعد الروبوتات كما تصورناها سابقاً، إذ أصبحت اليوم الروبوتات اللينة ورباعية الأبعاد أمراً رائجاً، ويتم تطوير هذه الروبوتات المصنوعة من مواد بيولوجية أو بوليمرات قابلة للتحلل لتوفير حلول مستدامة لقضايا العالم الملحة، مثل التصحر والأمن الغذائي وتعزيز الصحة والحفاظ على التنوع البيولوجي بأساليب صديقة للبيئة.

وضمن هذا السياق، استطاع باحثون من المعهد الإيطالي للتكنولوجيا (Italian Institute of Technology-IIT)، تطوير روبوتات بذور تسمى آي-سيد (I-Seed)، وهي روبوتات قادرة على استكشاف التربة بناء على تغيرات الرطوبة، وما يميز هذه البذور الروبوتية أنها لا تحتوي على عناصر معدنية ومؤلفة بشكلٍ كامل من مواد قابلة للتحلل الحيوي.

كيفية تصنيع روبوتات البذور

نُشرت الورقة البحثية التي تصف تفاصيل تصنيع وعمل النموذج الأولي لروبوت آي-سيد في دورية أدفانسد ساينس (Advanced Science) في الأول من فبراير/ شباط 2023، حيث صرح لوكا سيشيني (Luca Cecchini) طالب الدكتوراة في المعهد الإيطالي للتكنولوجيا والمؤلف الأول للبحث، بأن التصميم مستوحى بشكلٍ أساسي من الطبيعة.

وأوضحت الدكتورة باربرا مازولاي (Barbara Mazzolai) المديرة المساعدة لقسم الروبوتات في المعهد الدولي للتكنولوجيا ومنسقة مشروع آي-سيد المموَّل من الاتحاد الأوروبي، أن بذرة نبات إبرة الراعي (Pelargonium appendiculatum) هي مصدر وحي تصميم روبوت آي-سيد، إذ يمكن لبذور هذه النبتة أن تغيّر شكلها باستمرار وبشكل عكسي وفقاً للرطوبة المحيطة، وتدعى هذه الخاصية تغايرية رطوبية (hygromorphic)، علماً أن تطوير هذه البذور الروبوتية قد بدأ في عام 2021.

تُصنع آي-سيد بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد، لكن ما يميز التصميم رباعي الأبعاد لها هو قدرة المواد على تغيير شكلها استجابةً للمحيط الذي توجد به، ففي حالة آي-سيد تعد الرطوبة مفتاح تغيير الشكل، بينما يمكن للحرارة أو الأشعة أو التفاعلات الكيميائية المعتمدة على الحموضة وغيرها أداء دور مفتاح التغيّر الشكلي في التصاميم رباعية الأبعاد الأخرى، ويمكن الاستفادة منها لصناعة مؤشرات تدلنا على وجود تلوث بيئي مثل انبعاث الكربون أو وجود نفايات المعادن الثقيلة في منطقة معينة، وتحديد درجة التلوث بها بالاستناد إلى شكل الروبوت المزروع في تلك المنطقة.

اقرأ أيضاً: تحارب براً وجواً وبحراً: تعرّف على أخطر الروبوتات العسكرية بالعالم

بدأ تصنيع آي-سيد بعد إجراء فحص شامل لهيكل بذرة نبات إبرة الراعي ودراسة الميكانيك الحيوي للتغير الشكلي لها، حيث قام الباحثون بمحاكاة صفاتها بمزيج من تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد والغزل الكهربائي (electrospin)، وهي طريقة لإنتاج الألياف النانوية باستخدام القوة الكهربائية لسحب مواد بوليمرية مشحونة بين قطبين ناقلين، إذ يوضع محقن بعيد عن صفيحة معدنية ويتم تمرير تيار كهربائي بين المحقن المعدني والصفيحة البعيدة، فيخرج البوليمر من المحقن بشكل مغزلي ويستقر على سطح الصفيحة المقابلة.

  صورة توضح الغزل الكهربائي. حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

بعدها استخدم الباحثون نمذجة الترسيب المنصهر (FDM) لطباعة طبقة ركيزة أساسية مكونة من مادة البوليكابرولاكتون (PCL)، وهو بوليستر حراري وقابل للتحلل الحيوي، ولكن تم تنشيط طبقة الركيزة باستخدام بلازما الأوكسجين لجعلها أكثر ألفة للماء (هيدروفيلية)، ثم أضيفت إلى الركيزة ألياف استرطابية مغزولة كهربائياً مكونة من غلاف أوكسيد البولي إيثيلين (PEO) ولب مركزي بلوري سيللوزي نانوي (CNC) قادر على امتصاص الرطوبة والتمدد.

ما الجديد الذي تقدمه روبوتات بذور آي-سيد؟

تستغل روبوتات آي-سيد الآليات البيولوجية الموجودة في الطبيعة، فهي لا تحتاج إلى بطاريات أو مصادر خارجية للطاقة بل تستغل صفات المواد الشكلية لتحقيق غايتها، وتصنف من الروبوتات اللينة (soft robots) الخالية من المعادن الصلبة والمركبات القاسية التي تعد مكلفة في تصنيعها، والمثير للاهتمام هو إمكانية هذه البذور على الحركة والوصول لعزم دوران يبلغ 30 ميكرو نيوتن بالمتر، وقوة امتداد تبلغ 2.5 ميلي نيوتن ورفع أوزان تفوق وزنها بمقدار 100 ضعف. 

ويمكن لهذه الروبوتات كشف التغيرات البيئية في رطوبة التربة، وتكيّف شكلها تبعاً لخشونة التربة وعمق الشقوق الموجودة بها، وتُستغل هذه الظاهرة في جمع البيانات البيئية بدقة مكانية وزمنية عالية في المناطق النائية التي لا تتوفر بها بيانات مراقبة.

اقرأ أيضاً: روبوتات بهلوانية قد تحقق ثورة في الزراعة

ما آلية عمل روبوتات آي-سيد؟

تقوم روبوتات آي-سيد بالزحف على التربة ودفن نفسها داخل شقوقها بفضل الوحدة الحلزونية العلوية للبذور التي تغيّر شكلها استجابة لتغير الرطوبة الخارجية، إذ تحدث حركة انحناء وتشوه التوائي للحلزون بفضل دمج الألياف السليلوزية البلورية النانوية ضمن هيكل الروبوت، حيث تدخل جزيئات الماء في شروط الرطوبة بين المجموعات الهيدروكسيلية للروابط الهيدروجينية التي تربط جزيئات السليلوز وتسبب انتفاخ الروبوت وانفكاك دورانه وتحركه.

وتحدث عملية التحرك وفقاً للترتيب التالي:

  1. يحدث التمدد الحجمي لأنسجة السليلوز النانوية عند التعرض لرطوبة خارجية. 
  2. تؤدي زيادة الحجم بين سلاسل السليلوز إلى توسع الأنسجة المحيطة بها التي لا تمتلك المرونة نفسها. 
  3. تنبسط البنية الحلزونية للبذور في الرطوبة، مسببة تحرك البذرة وحفرها الطريق لاختراق الشقوق الموجودة بالتربة.
  4. ينكمش الروبوت ويلتف الحلزون فوق جسم البذرة مجدداً عند حدوث جفاف.

اقرأ أيضاً: هل يمكنك أن تأكل شيئاً تمت زراعته بيدٍ روبوتية؟

ويمكن الاستدلال على محتوى الرطوبة في التربة من خلال تصويرها دورياً لمعرفة درجة الالتفاف وتسجيل البيانات المهمة زراعياً وإرسالها لمراكز بحثية تقوم بمعالجتها لاتخاذ القرار المناسب في الزراعة، وتحديد المواسم المناسبة لها بميزانية منخفضة وتناسب الدول النامية.

وفي بحث مشابه نُشر في دورية نيتشر (Nature) في 15 فبراير/ شباط 2023، استخدم دانلي لو (Danli Luo) الباحث في مختبر الأجسام المتغيرة في جامعة كارنيغي ميلون في أميركا (Carnegie Mellon University)، تقنية البذور المتغيرة الشكل لصناعة روبوت بذرة لين من الخشب، يقوم بحفر التربة وإقحام البذور ضمنها عند تحركه، ما يزيد من فاعلية الزراعة ويقلل تكاليفها بشكلٍ كبير، ومن الممكن أن يزيد من الغطاء الخضري بشكل صديق للبيئة.

اقرأ أيضاً: إذا لم نكن أول حضارة صناعية على الأرض، فهل كنا سنعرف ذلك؟

يبدو أن عصر الزراعة بواسطة الروبوتات البذرية قد بدأ، فالأبحاث في هذا المجال مستمرة ومن الممكن أن نرى في المستقبل القريب مشاريع إصلاح زراعية وتوسعاً متسارعاً للغطاء الخضري في المناطق التي أصيبت بالجفاف والتصحر.