هل اقتربت شركة أوبن أيه آي من تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟

4 دقيقة
هل اقتربت شركة أوبن أيه آي من تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: إيناس غانم.

في خطوة مفاجئة، حلّت شركة أوبن أيه آي فريق جاهزية الذكاء الاصطناعي العام الذي كان محورياً في تقديم المشورة للشركة بشأن قدرتها على التعامل مع الذكاء الاصطناعي العام، الذي يمكن أن تعادل قدراته التفكير البشري أو تتجاوزه، واستعداد العالم لإدارة مثل هذه التكنولوجيا، وتعد هذه الخطوة ضمن سلسلة من القرارات والتغييرات التنظيمية التي شهدتها الشركة مؤخراً، وبسببها غادر عدد من الباحثين والمؤسسين للشركة.

موجز في تاريخ التغييرات التي حدثت في شركة أوبن أيه آي مؤخراً

إنهاء عمل فريق جاهزية الذكاء الاصطناعي (AGI Readiness) لم يكن التغيير الوحيد الذي شهدته الشركة هذا العام، حيث جرى في شهر مايو من العام الحالي حلّ فريق التوافق الفائق (Super alignment) الذي يركز على الاختراقات العلمية والتقنية، لتوجيه أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر ذكاءً، والتحكم فيها لمنعها من الخروج عن السيطرة بعد عام واحد فقط من إنشائها.

وتأتي أخبار حل فريق جاهزية الذكاء الاصطناعي في أعقاب الخطط التي بدأها المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، سام ألتمان، في إعادة هيكلة الشركة لتكون ربحية، مدفوعة بالنجاح الكبير الذي حققته منتجاتها وجولات التمويل الضخمة التي حصلت عليها مؤخراً، حيث أغلقت الشركة في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي جولات تمويل متعددة جعلت التقييم العام للشركة يقفز إلى نحو 175 مليار دولار، بالإضافة إلى خط ائتمان متجدد بقيمة 4 مليارات دولار قفز بالسيولة النقدية للشركة إلى نحو 10 مليارات دولار.

علاوة على ذلك، تأتي التغييرات وحالات المغادرة التي حدثت في الشركة خلال الفترة الأخيرة في أعقاب الكثير من المخاوف المتزايدة المتعلقة بالسلامة والخلافات المحيطة بالشركة، بالإضافة إلى سباق تسلح الذكاء الاصطناعي الذي بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى الانخراط فيه بكل قوتها المالية والتكنولوجية، نظراً للعوائد الكبيرة التي من المتوقع أن تجنيها من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي والتي من المتوقع أن تتجاوز حاجز 1 تريليون دولار من الإيرادات في غضون عشر سنوات فقط، حيث بدأت الشركات بالاندفاع لإضافة بوتات الدردشة والوكلاء المدعومين بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى منتجاتها، لتجنب التخلف عن الركب من قبل المنافسين.

اقرأ أيضاً: كيف أثّر الصراع الأخلاقي حول سلامة الذكاء الاصطناعي في إقالة سام ألتمان من منصبه؟

وفقاً لمنشور كتبه كبير مستشاري فريق جاهزية الذكاء الاصطناعي المنحل، مايلز برونديج (Miles Brundage)، فإن ثمة حاجة إلى مزيد من النقاش حول الصورة الكبيرة لكيفية ضمان بقاء الإنسانية عند الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام، وحول فائدتها للبشرية جمعاء، وأضاف أنه لم يجد الخيارات التي عُرضت عليه حالياً مقنعة، والعديد منها غامض جداً بحيث لا يمكن تقييمه بالفعل.

بناء آلات أكثر ذكاء من البشر هو مسعى خطير بطبيعته

تأتي موجة الاستقالات التي تشهدها شركة أوبن أيه آي وسط دعاوى كثيرة لتدقيق عمل الشركة فيما يخص تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي وضمان سلامتها، حيث نشرت مجموعة من موظفي الشركة الحاليين والسابقين رسالة مفتوحة في شهر يونيو/حزيران الماضي تصف المخاوف بشأن التقدم السريع لصناعة الذكاء الاصطناعي.

وذكروا أن من المعتقد ألا تكون الهياكل المخصصة لحوكمة الشركات كافية لإخضاعها للرقابة، مضيفين أن التزامات الشركات ضعيفة حالياً في مشاركة بعض هذه المعلومات مع الحكومات، ومعدومة في مشاركتها مع المجتمع المدني، ومن غير المحتمل أن يبقى الاعتماد على الشركات لمشاركتها طواعية.

اقرأ أيضاً: ما التطبيق القاتل وفقاً لسام ألتمان؟ وكيف يرى مستقبل برمجيات الذكاء الاصطناعي؟

بعد أيام من نشر الرسالة، أكد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل الأميركية من المقرر أن تفتحا تحقيقات لمكافحة الاحتكار ضد كل من شركة أوبن أيه آي ومايكروسوفت وإنفيديا، مع التركيز على سلوكها بدلاً من عمليات الدمج والاستحواذ. حيث وصفت رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان (Lina Khan) إجراء وكالتها بأنه: "تحقيق في السوق حول الاستثمارات والشراكات التي تتشكل بين مطوري الذكاء الاصطناعي ومقدمي الخدمات السحابية الرئيسيين".

علاوة على ذلك، فإن عدم الشفافية الذي تنتهجه شركة أوبن أيه آي كان موضع انتقاد الكثير من الموظفين السابقين الذين شغلوا مناصب رفيعة في الشركة، ومن ضمنهم الباحث في مجال تكنولوجيا التعلم الآلي جان ليك (Jan Leike) الذي كتب سلسلة تغريدات عبر منصة إكس ذكر فيها أن بناء آلات أكثر ذكاء من البشر هو مسعى خطير بطبيعته.

وقال: "إن شركة أوبن أيه آي تتحمل مسؤولية هائلة نيابة عن البشرية جمعاء، ولكن على مدى السنوات الماضية احتلت ثقافة وعمليات السلامة المقعد الخلفي على حساب المنتجات". مضيفاً أن الشركة ينبغي أن تُركز على سلامة تطوير الذكاء الاصطناعي العام أولاً.

اقرأ أيضاً: ما هو الذكاء الاصطناعي المنطقي الذي تعمل عليه أوبن أيه آي؟

هل اقتربت شركة أوبن أيه آي من تطوير الذكاء الاصطناعي العام؟

يعد حل الفرق التي تبحث في سلامة تطوير الذكاء الاصطناعي وأمنه ضمن شركة أوبن أيه آي مثيراً للجدل، لأنها تؤكد دائماً على أن ظهور الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه التفكير مثل البشر بات قريباً وربما سيحدث في غضون بضع سنوات قادمة فقط، فالشركة تبدو منخرطة بشدة في أبحاث متطورة حول الذكاء الاصطناعي، خاصة الأنظمة القوية أو ما يُسمى الذكاء الاصطناعي العام.

فمن ناحية، يبدو مسعى الشركة الجدي، بقيادة سام ألتمان، للوصول إلى هذه النقطة منطقياً لتتقدم الجميع في هذا المجال، بينما من ناحية أخرى كان العلماء والباحثون داخل الشركة وخارجها -وما يزالون- يحذرون من أن الوصول إلى مرحلة تطوير الذكاء الاصطناعي العام ينبغي أن يكون مدروساً، وأن البشرية ينبغي أن تكون واثقة من أن تأثيراته ستكون إيجابية وأن مخاطره ستكون قابلة للتحكم.

ومن ثم، فإن التغييرات الأخيرة وموجة الاستقالات التي شهدتها الشركة مؤخراً قد تكون مؤشراً على أن اندفاع الشركة نحو الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام بات حقيقة واقعة، خاصة وأن وجود هذه الفرق قد يحدّ بدرجة كبيرة من طموحات الشركة ورئيسها التنفيذي، وما يدلل على ذلك هو ظهور الكثير من التقارير التي تقول إن الشركة أحدثت اختراقاً بالفعل في هذا المسعى.

اقرأ أيضاً: أوبن أيه آي تعلن تطويرها نموذجاً يصل إلى مستوى الذكاء الاصطناعي العام

من ضمن هذه التقارير تقرير ظهر خلال هذا العام يبين أن الشركة لديها مشروع تطوير نظام ذكاء اصطناعي سري يُطلق عليه اسم الفراولة (Strawberry)، يمكنه التفكير على المستوى البشري والتخطيط للمستقبل وحل المشكلات بخطوات متعددة، وإجراء بحث عميق على نحو مستقل يشبه الطريقة التي طورها باحثون في جامعة ستانفورد من خلال مشروع ستار (STaR) الذي يتيح لنموذج الذكاء الاصطناعي تدريب نفسه إلى مستويات ذكاء أعلى، بإنشاء بيانات التدريب الخاصة به بصورة متكررة.

كل هذا الغموض ينبئنا بأن شركة أوبن أيه آي لديها بالفعل مؤشرات تثبت بأنها في طريقها للوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام، خاصة مع جولات التمويل الضخمة التي تحصل عليها بالإضافة إلى تسارع إطلاق نسخ متعددة من نماذج اللغة الكبيرة بميزات متطورة. علاوة على ذلك، قد تكون الضجة المثارة حول مسعى الشركة للوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام عائدة إلى استنتاجين:

أولهما أن شركة أوبن أيه آي تتصرف بتهور وإهمال وتقبّل بالفعل للمخاطر المترتبة على الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام من أجل النجاح التجاري، أو أنها تعتقد أن مخاوف السلامة بشأن الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها وأن الذكاء الاصطناعي العام غير واضح تماماً، ومن ثم فإن مسألة سلامة الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها وتخدم في المقام الأول وظيفة تسويقية.

المحتوى محمي