هل تحتكر جوجل عمليات البحث كما تقول وزارة العدل الأميركية؟

4 دقائق
هل تحتكر جوجل عمليات البحث كما تقول وزارة العدل الأميركية؟
مصدر الصورة: أسوشييتد برس

رفعت وزارة العدل الأميركية، إضافة إلى المدعين العامين من 11 ولاية ذات قيادة جمهورية، دعوى مكافحة احتكار على جوجل منذ فترة وجيزة، وتقول هذه الدعوى إن جوجل تمارس الاحتكار غير الشرعي على عمليات البحث والإعلان على الإنترنت.

تأتي هذه الدعوى بعد تحقيقات دامت لفترة 16 شهراً، إضافة إلى وعود متكررة من الرئيس ترامب بإرغام الشركات التكنولوجية الكبرى على تحمل مسؤولياتها وتفسير ممارساتها في هذه المسألة، وذلك في خضم ادعاءات غير مثبتة حول وجود تحيز مضاد للتوجهات المحافظة لدى هذه الشركات. ولكن التقارير تشير إلى أن وزارة العدل خضعت لضغوطات كبيرة من المدعي العام ويليام بار لرفع الدعوى قبل الانتخابات الرئاسية بفترة أسبوعين.

غير أن فكرة تنظيم الشركات التكنولوجية الكبرى ليست حكراً بحد ذاتها على أحد الحزبين الرئيسيين؛ ففي وقت سابق من هذا الشهر، نشر أعضاء الكونجرس الديمقراطيون تقريراً من 449 صفحة حول أساليب الاحتكار التي تمارسها شركات آبل وأمازون وفيسبوك وجوجل، ويدعو إلى تشديد التشريعات الخاصة بمكافحة الاحتكار ضد هذه الشركات. وقد أشارت ليتيتيا جيمس، المدعي العام لنيويورك، إلى أن سبع ولايات أخرى -بما فيها ولايتها- كانت على وشك أن ترفع دعوى قضائية خاصة بها، وقد تنضم إلى دعوى وزارة العدل لاحقاً.

تركز القضية على ممارسات جوجل وهيمنتها في مجال البحث على الإنترنت؛ حيث إنها تتلقى 80% من إجمالي طلبات البحث في الولايات المتحدة، وتقول وزارة العدل إنها تخصص عشرات المليارات من الدولارات من الأرباح السنوية من إعلانات البحث حتى تكبح المنافسة بأساليب غير عادلة.

وفيما يلي تفصيل لادعاءات وزارة العدل حول أساليب جوجل في الحفاظ على احتكارها غير الشرعي:

تفضيل محرك البحث جوجل ليصبح الخيار الافتراضي

تقول الدعوى إن جوجل تحافظ على أفضليتها عبر اتفاقات بقيمة مليارات الدولارات حتى يبقى محرك البحث الخاص بها محرك البحث الافتراضي في متصفحات الويب، والأجهزة الخلوية، وتكنولوجيات البحث الناشئة، مثل المساعدات الصوتية وأجهزة إنترنت الأشياء. ونظراً لميل أغلبية المستخدمين إلى الحفاظ على إعداداتهم الافتراضية، كما تضيف الدعوى، فهذا يعني في نهاية المطاف “أن جوجل فرض نفسه بقوة الأمر الواقع كمحرك بحث عام وحصري”.

وتشير الدعوى، على وجه الخصوص، إلى سلوك جوجل في الأجهزة الخلوية، فعلى الرغم من أن نظام التشغيل أندرويد فيها مجاني ومفتوح المصدر، فهو يمثل فعلياً وسيلة للحفاظ على سيطرتها؛ حيث إن العقود المبرمة مع شركات الأجهزة الخلوية تحظر تعديل نظام أندرويد، وتلزم بإجراء تنصيب مسبق لتطبيقات جوجل، وتتضمن اتفاقات لتقاسم الإيرادات بحيث تمنح نسبة أكبر للشركات التي تمتثل لتعليمات وطلبات جوجل.

تقول الدعوى إن اتفاقات تقاسم الإيرادات مع آبل، التي تتراوح قيمتها من 8 مليارات إلى 12 مليار دولار سنوياً، وتمثل حوالي 20% من صافي المدخول العالمي لآبل، تضمن لجوجل أن يبقى محرك البحث الافتراضي على متصفح سفاري وأجهزة آيفون، إضافة إلى سيري وسبوتلايت، وهو ميزة البحث الشامل من آبل.

تغطي العقود الاستبعادية حوالي 60% من طلبات البحث في الولايات المتحدة.

حواجز عالية أمام دخول السوق

وصلت هيمنة جوجل إلى حد يجعل من عملية بناء منتج منافس مكلفة إلى درجة الاستحالة. تمثل جوجل واحدة من ثلاث شركات تستخدم “زواحف شبكة الإنترنت” في البحث عام في الولايات المتحدة، وهي برامج تعمل باستمرار على تصفح وتصنيف صفحات الويب المفتوحة للعموم. أما الشركتان الأخريان فهما بينج وداك داك جو. وبالنسبة لياهو، التي تستحوذ على 3% من حصة السوق، فإنها في الواقع تشتري نتائج بحثها من بينج.

إن بناء دليل بحث كهذا والحفاظ على استمراريته يتطلب “استثماراً أولياً يقدر بمليارات الدولارات”، وفقاً للدعوى، إضافة إلى مئات الملايين من الدولارات كتكاليف سنوية، ما يؤدي عملياً إلى حظر المنافسة على الشركات الأصغر.

وتزعم الدعوى أيضاً أن احتكار جوجل للبحث يضخم من قدرتها في الحفاظ على تفوق منتجاتها؛ حيث إن الشركة تهيمن على السوق من خلال ضخامة حجم البيانات التي تجمعها، ويمكن بالتالي أن تستخدم مجموعات بياناتها الضخمة لتقديم خوارزميات أكثر دقة، ما يؤدي إلى نتائج بحث أكثر دقة بشكل موجه لكل مستخدم على حدة. ووفقاً لوزارة العدل، فإن هذه الحلقة المفرغة تعزز من هيمنة جوجل على السوق، وتحميها من المنافسة بشكل غير عادل.

احتكار للإعلانات

تمارس جوجل أيضاً الاحتكار على الإعلانات في البحث على الإنترنت، وفقاً للدعوى القضائية؛ حيث يمنحها احتكارها لعمليات البحث إمكانية الوصول إلى أضخم جمهور ممكن للمعلنين، ما يجعلها أفضل خيار لهم بفارق كبير. وتشير الدعوى على وجه الخصوص إلى جاذبية إعلانات التسوق والإعلانات النصية، التي تظهر إلى الأعلى من نتائج البحث الأساسية.

ومن الجدير بالذكر أن صناعة إعلانات البحث على الإنترنت تضخمت قيمتها إلى 50 مليار دولار، ويدفع المعلنون حوالي 40 مليار دولار منها إلى جوجل سنوياً.

إلامَ تسعى وزارة العدل؟

على الرغم من هذه الادعاءات، فإن وزارة العدل لا تسعى بشكل صريح إلى تقسيم جوجل أو فرض غرامات محددة. وبدلاً من ذلك، تسعى إلى إحداث “تغيير هيكلي يؤدي إلى إزالة الآثار السلبية للممارسات التي تضر بالتنافسية”. وفي حدث صحافي، لحظ ممثلو وزارة العدل أن التحقيقات حول الشركات التكنولوجية الأخرى ما زالت جارية، كما أنها لم تستبعد توجيه المزيد من التهم إلى جوجل.

وبعد رفع الدعوى بعدة ساعات، نشرت الشركة تصريحاً على مدونتها قالت فيه إن الدعوى “تشوبها عيوب بالغة”.

ويقول التصريح: “يستخدم الناس جوجل لأنهم يرغبون في ذلك، لا بسبب إجبارهم على ذلك أو عدم وجود بدائل. لن تؤدي هذه الدعوى إلى تحقيق أية فائدة للمستهلكين، بل على العكس، قد تؤدي إلى ظهور بدائل بحث ذات نوعية سيئة، وترفع أسعار الهواتف، وتزيد من صعوبة حصول الناس على خدمات البحث التي يرغبون في استخدامها”.

ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها جوجل للتدقيق من قبل المشرعين الأميركيين، ومن المرجح أنها لن تكون الأخيرة؛ ففي 2012، حققت هيئة التجارة الفدرالية في ممارسات الشركة قبل أن تتراجع عن القضية في نهاية المطاف من دون توجيه أي تهمة. وفي هذه الأثناء، تعرضت الشركة في أوروبا إلى ثلاث دعاوى قضائية حول الممارسات الاحتكارية منذ 2010، ما أدى إلى غرامات بقيمة 9 مليار دولار.

ماذا بعد؟ من المرجح أن تبقى قضية وزارة العدل لعدة سنوات في أروقة المحاكم. فقد بقيت قضية تعود إلى السبعينيات ضد آي بي إم لمدة 13 سنة حتى تم إغلاقها، في حين احتاجت قضية في 1997 ضد مايكروسوفت إلى خمس سنوات. وفي كلتا الحالتين، لم يصدر حكم يلزم بتقسيم أي من الشركتين.

المحتوى محمي