أميركا تقف أمام سيطرة الصين على الذكاء الاصطناعي، بشكل قد يخدم الصين نفسها

3 دقائق

تخوض الولايات المتحدة والصين سباقاً يهدف إلى تحديد القوة العظمى في مجال الذكاء الاصطناعي خلال القرن الحالي، وينطوي الأمر على مكاسب كبيرة متوقعة؛ فالمنتصر لن يحصد مكاسب اقتصادية هائلة فحسب، بل يمكنه أن يحقق تفوقاً نوعياً جديداً في المجال العسكري. وقد عبَّر عن هذا الأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام الماضي، حيث قال: "أياً كان من سيتبوأ ريادة هذا المجال، فهو من سيحكم العالم".

ولا يتفق جميع الخبراء مع هذا الرأي، حتى أن معظم الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي لا يرون أنفسهم منخرطين في أي شكل من أشكال سباق التسلح على الإطلاق، ولكن ذلك لا يمنع القادة في كلا البلدين (أميركا والصين) من تصعيد مواقفهم العدائية بشكل متسارع.

وفي 19 من نوفمبر الماضي، اتخذت الولايات المتحدة أحدث خطوة لها من خلال اقتراح يتضمن توسيع نطاق القيود التي تفرضها على صادرات التكنولوجيا؛ حيث تحتفظ وزارة التجارة بقائمة من التقانات العسكرية الحساسة التي يحتاج تصديرها خارج البلاد إلى رخصة خاصة، وهي تقترح الآن أن تضيف إلى هذه القائمة -من بين جملة من الأشياء الأخرى- مجموعةً من الأدوات والتقنيات الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل الشبكات العصبونية والتعلم العميق، ومعالجة اللغات الطبيعية، والرؤية الحاسوبية، والأنظمة الخبيرة. وهذه المنتجات الاستهلاكية الأساسية، مثل جهاز الآيفون المزوَّد بالمساعد الذكي "سيري"، والمكنسة الكهربائية "رومبا" المزودة بالرؤية الحاسوبية، بالإضافة إلى السيارات ذاتية القيادة ونظام "واتسون" من آي بي إم الخارق في معالجة أنماط البيانات واللغات الطبيعية.

وللتوضيح فقط، فإن الحكومة الأميركية لا تقترح فرض حصار شامل؛ حيث إن "الإخطار السابق بوضع القانون المقترح" ليس سوى التماس للحصول على آراء عامة الناس. والوزارة تقول إنها سوف تعتمد على التعليقات والآراء "لتحديد ما إذا كان هناك تقنيات ناشئة معينة" ضمن كل فئة من تقانات الذكاء الاصطناعي تستوجب التقييد.

ومع ذلك فإن حجم القائمة ملفت للنظر، حيث يقول ر. ديفيد إدلمان (مدير المشروع المتعلق بالتكنولوجيا والاقتصاد والأمن الوطني في معهد إم آي تي): "توقَّعَ الجزء الأكبر من المعلِّقين أن تتم إضافة تقنيات الذكاء الاصطناعي. وما كان ملفتاً للنظر هو اتساع نطاق التقنيات التي تضمنتها تعليقاتهم، فهي مقاربة شاملة تقريباً لجميع منتجات الذكاء الاصطناعي الحديثة". ويضيف: "إن التأكيد الذي نراه هنا -ومفاجئ حقاً- هو المزاعم بأن الذكاء الاصطناعي مجال عسكري بطبيعته".

ويشعر إدلمان بالقلق من أنه إذا ما أسيء التعامل مع القيود، فقد تتسبب في أضرار خطيرة غير مباشرة للشركات الأميركية. فالشركات التي تعتمد على الصين للحصول على حصة كبيرة من أرباحها -كشركتي آبل وجوجل على سبيل المثال- قد تقلِّص أعمالها التطويرية في الذكاء الاصطناعي لتجنب عملية الرقابة على الصادرات، التي من المعروف أنها تستغرق وقتاً طويلاً. كما أن الشركات الصغيرة -التي لا يمكنها تحمل تكاليف الامتثال للقوانين- قد تتخلى عن فكرة التوسع الدولي.

يقول إدلمان: "إن الهدف من ذلك هو مساعدة الشركات الأميركية على تحسين قدرتها التنافسية. لكن المفارقة تكمن في أنه سيعطي بشكل شبه مؤكد للشركات الصينية -التي لا تخضع لقيود مماثلة- أفضليةً كبيرة في ميدان المنافسة".

ويمكن توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في عدد لا يحصى من المجالات المختلفة، لذلك قد يكون من الصعب على الجهات المنظِّمة أن يرسموا خطاً واضحاً يفصل بين الأدوات التي لها تطبيقات عسكرية، وتلك التي ليس لها تطبيقات عسكرية، والأكثر من ذلك -ونظراً لأن هذا المجال يتطور بسرعة كبيرة- هو أنه لا بد من تحديث القائمة باستمرار؛ فالتقانة التي تعد الأحدث من نوعها اليوم قد تعتمد أليكسا عليها في غضون بضع سنوات قادمة. يقول إدلمان: "إن معظم التقنيات المعنية في تلك القائمة هي ما يمكنني اعتباره حوسبة للأغراض العامة خلال العقد القادم".

كما يمكن لهذه القيود أن تؤثر على الجامعات الأميركية أيضاً، فهي تستفيد من تدفق المواهب البحثية الأجنبية، بحسب ما أضاف إدلمان. وبناء على التعريف الذي تحدِّده وزارة التجارة الأميركية، فإن مصطلح "تصدير" يمكن أن يشمل التعاون مع الباحثين الأجانب. والجامعات غير المهيأة للتكيف مع عملية الرقابة على الصادرات لن تكون قادرة على دعم برامج الذكاء الاصطناعي.

وأخيراً يقول إدلمان إن القيود ربما تكون غير عملية؛ لأن الكثير من الأبحاث الحالية مفتوحة المصدر بالكامل، وتعاونية للغاية بشكل عابر للحدود.

كما يقول: "في بعض الحالات، قد تكون هناك حالة يُجدي فيها تطبيق الرقابة على الجوانب المتعلقة بكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي. ولكن الأسلوب الذي يحاول -ببساطة- فرض الرقابة والحد من انتشار الحوسبة للأغراض العامة في العقد المقبل، إنما هو محكومٌ عليه بالفشل".

وعلى الجانب المشرق، يعتقد إدلمان "أن الحكومة تطلب المساعدة بالفعل بشأن هذه القضية"؛ حيث تسعى وزارة التجارة للحصول على الآراء العامة حتى 19 ديسمبر القادم لكي تفهم بشكل أفضل كيف سيؤثر المقترح على المستهلكين والشركات والأوساط الأكاديمية.

ومن المرجح أن هذا المقترح المطروح سيخضع لعدد من المراجعات والتعديلات قبل أن تصبح القوانين الناظمة سارية المفعول.