أعلنت شركة "كلايم وركس" (Climeworks) السويسرية الناشئة المتخصصة في تصفية الهواء من غاز ثاني أوكسيد الكربون، أنها ستقوم ببناء أكبر محطة لإزالة الكربون من الغلاف الجوي في أيسلندا، وسوف تبدأ هذه المحطة عملها بكامل طاقتها خلال 18 إلى 24 شهراً. وأضافت الشركة أن هذه المحطة ستكون قادرةً على سحب 36 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون كل سنة.
تشكل هذه الكمية نسبة ضئيلة من حجم انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون السنوية، بحسب وكالة الطاقة الدولية، وهي منظمة طاقة دولية تقع في العاصمة الفرنسية باريس. وبلغت كمية ثاني أوكسيد الكربون التي تم إطلاقها في الغلاف الجوي عام 2021 نحو 36.3 مليار طن.
سيطلق على المحطة الجديدة في أيسلندا اسم "الماموث" (Mammoth). وسوف تعمل بجانب محطة أخرى أصغر حجماً تقوم بإزالة 4 آلاف طن سنوياً.
على الرغم من أن كمية الغاز التي سيتم سحبها من الغلاف الجوي ضئيلة مقارنة بكمية الانبعاثات السنوية، لكن الشركة الناشئة لديها طموحات كبيرة، حيث ستكون محطتها هذه بداية لمشروع أكبر ستتم فيه إزالة ملايين الأطنان من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2030، ونحو مليار طن في عام 2050.
هذه الأهداف الطموحة أكبر بكثير من إمكانات الشركة الناشئة في الوقت الحالي. لكن مؤسسها ورئيسها التنفيذي يان ورزباتشر قال في تصريح لقناة سي إن بي سي الأميركية إنهم يعملون منذ 13 عاماً، وإن التكنولوجيا التي تستخدم لسحب الكربون من الغلاف الجوي قد تطورت بشكلٍ كبير منذ ذلك الوقت.
تحتوي محطة الماموث الجديدة التي يتم إنشاؤها على 80 مروحة ومرشحاً ضخماً لامتصاص الهواء وتصفيته من غاز ثاني أوكسيد الكربون، ثم ستقوم شركة "كاربفيكس" (Carbfix) بخلطه مع الماء وتخزينه تحت الأرض.
يقول مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي الذي يبلغ من العمر 38 عاماً، إنه حين أطلق شركته، كانت فكرة سحب غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي عن طريق محطات كبيرة أمراً مشكوكاً فيه، وكان الكثيرون ينظرون إليه على أنه محاولات عبثية. فقد كانت الأجهزة التي تستخدم لسحب الكربون من الغلاف الجوي قادرة على سحب عدة ميليغرامات فقط، ثم تطورت وأصبحت تسحب عدة غرامات، ثم كيلو غرامات ثم أطنان. وهو يسعى إلى إنشاء محطات قادرة على سحب ملايين الأطنان سنوياً.
اقرأ أيضاً: كيف تتصدى المباني الذكية لتحديات التغير المناخي والاستدامة؟
تطور تكنولوجيا تصفية الهواء من الكربون
يتحدث الرئيس التنفيذي لشركة كلايم ووركس عن الوضع في عام 2009 حين أسس الشركة، ويقول إن البيئة كانت مختلفة جداً، حيث كان الكثير من الناس يناقشون ويتحدثون عن تغير المناخ وضرورة إيجاد حلول للحد من هذا التغير. إحدى الحلول التي تم اقتراحها هي محطات لتصفية الهواء من غاز ثاني أوكسيد الكربون. لكن بمجرد طرح الفكرة، أبدى الكثيرون شكوكهم في مدى نجاحاتها، لكن على الرغم من ذلك، استثمر البعض في تطوير هذه التكنولوجيا، وتمكنت العديد من الشركات من إنشاء محطات قادرة على تنظيف الغلاف الجوي من غازات الاحتباس الحراري.
دفع ذلك الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة معنية بتغير المناخ، إلى تصنيف التقاط واحتجاز الكربون من طرق معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
ينص الملخص الفني لتوصيات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: "إن تقنية التقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون (CDR) ضرورية لتقليل صافي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري على الصعيدين العالمي والوطني وموازنة الانبعاثات المتبقية التي يصعب خفضها، وتعد تقنية التقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون أيضاً عنصراً أساسياً في السيناريوهات التي تحد من معدل الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية أو على الأرجح أقل من 2 درجة مئوية بحلول عام 2100، بغض النظر عما إذا كانت الانبعاثات العالمية تصل إلى ما يقرب من الصفر أو صافي الصفر أو صافي المستويات السلبية".
اقرأ أيضاً: الضجة المثارة حول إزالة الكربون باتت مصدراً خطيراً للإلهاء
هل هذه المحطات أفضل من زراعة الأشجار؟
هناك طريقة أخرى معروفة لإزالة غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وهي زراعة الأشجار. لكن هذه الطريقة تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي أكبر بكثير من المحطات التي تمتص الكربون من الغلاف الجوي، كما أن الأشجار يمكن أن تقطع أو تحرق بعد زراعتها أو تحتاج إلى الاهتمام حتى تبقى قادرة على سحب غازات الاحتباس الحراري. في حين أن محطات إزالة الكربون يمكنها فعلياً أن تعمل طوال الوقت وتخزن كميات هائلة من الكربون تحت الأرض.
خطة طموحة
محطة الماموث التي يتم بناؤها في أيسلندا ليست المحطة الأولى التي تبنيها شركة كلايم وركس، فقد بدأت هذه الشركة ببناء أول محطة لها في مقاطعة هينفيل بسويسرا عام 2017. وكان يتم تسليم غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يتم امتصاصه من الغلاف الجوي لعملاء يستخدمونه كسماد من أجل تنمية بعض أنواع الخضراوات، بالإضافة إلى شركة المشروبات الغازية كوكا كولا. هذا يبين أن محطات امتصاص الكربون لن تكون قادرة على الحد من ظاهرة تغيّر المناخ فقط، بل إنها قد تكون مربحة اقتصادياً وتحقق للشركات التي أنشأتها عائدات كبيرة.
اقرأ أيضاً: مهندسون يعملون على سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتحويله لشكل مفيد من الكربون
في عام 2018، طرحت الشركة برنامجاً يمكّن أي شخص من دفع مبلغ 36 إلى 120 دولاراً أميركياً في الشهر لجعلها تزيل كمية من غاز ثاني أوكسيد الكربون بالنيابة عنه. وحتى الآن، قام أكثر من 14 ألف شخص حول العالم بالتسجيل في هذا البرنامج.
إضافة إلى ذلك، قدمت الكثير من الشركات الكبيرة دعمها لشركة كلايم وركس كمساهمة في الحد من ظاهرة تغيّر المناخ. من بين هذه الشركات "مايكروسوفت" (Microsoft) و"شوبيفاي (Shopify) و"سترايب" (Stripe).
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين لمواجهة التغير المناخي
لماذا تم اختيار أيسلندا؟
اختارت شركة كلايم ووركس أيسلندا لإنشاء أكبر محطاتها لإزالة الكربون من الغلاف الجوي لأن شريكها في تخزين الكربون وهو شركة كاربفيكس، موجود في هذه الدولة، ولوجود مصادر طاقة متجددة كافية، فلو قمنا بتنقية الهواء من غاز ثاني أوكسيد الكربون عن طريق محطات تستخدم الوقود الأحفوري، فإن ذلك سيجعل العمل غير مجدٍ.
توقعات المستقبل
شهدت تقنيات إزالة الكربون من الغلاف الجوي تطوراً كبيراً، وقد أكدت شركة كلايم وركس الرائدة في هذا المجال أن تكلفة إزالة الكربون قد انخفضت خلال السنوات الماضية، ومن المتوقع أن تنخفض بشكل أكبر في المستقبل. تتوقع الشركة أنه بحلول عام 2030، ستكون تكلفة إزالة طن واحد من الكربون نحو 500 دولار أميركي، وأن هذه التكلفة ستكون نحو 300 دولاراً في عام 2035، وربما ستصبح التكلفة أقل من 200 دولاراً بعد ذلك.
تركز الشركة حالياً في عملها على تطوير التكنولوجيات المستخدمة لتقليل تكلفة إزالة الكربون من الغلاف الجوي، ما سيساعدها على التوسع أكثر والقدرة على استخلاص كميات أكبر من الكربون أو بناء محطات جديدة في أماكن أخرى من العالم.