أحد آباء الذكاء الاصطناعي يشعر بالقلق على مستقبل هذه التقانة

4 دقائق
يوشوا بينجيو.

يعتبر يوشوا بينجيو أحد المعلمين الكبار في مجال الذكاء الاصطناعي العصري. وإلى جانب جيوف هينتون ويان ليكون، يشتهر بينجيو بريادته ونشره لتقنية التعلم العميق، التي تحولت خلال السنوات الأخيرة من مجرد فكرة أكاديمية غريبة إلى إحدى أقوى التقنيات على وجه الأرض.

ويتضمن التعلم العميق تلقيم البيانات إلى شبكات عصبونية كبيرة تحاكي الدماغ البشري بشكل تقريبي، وقد برهنت هذه التقنية عن فعاليتها وتأثيرها في مختلف التطبيقات العملية، من التعرف إلى الصوت وتصنيف الصور وصولاً إلى التحكم في السيارات ذاتية القيادة وأتمتة قرارات الأعمال.

وقد قاوم بينجيو إغراءات الانضمام إلى أية شركة تقنية كبيرة، وعلى الرغم من أن هينتون وليكون انضمَّا إلى جوجل وفيسبوك على الترتيب، إلا أن بينجيو ما زال حتى الآن بروفسوراً يعمل بدوام كامل في جامعة مونتريال، غير أنه ساهم في تأسيس شركة إيليمينت إيه آي في 2016، التي حققت نجاحاً باهراً في مساعدة الشركات الكبيرة على استكشاف التطبيقات التجارية لأبحاث الذكاء الاصطناعي.

وقد التقى بينجيو مع ويل نايت (المحرر الأساسي في مجال الذكاء الاصطناعي لمجلة إم آي تي تيكنولوجي ريفيو)، وذلك ضمن حدث أقيم مؤخراً في إم آي تي.

ما رأيك في مسألة انطلاق سباق في مجال الذكاء الاصطناعي بين عدة بلدان؟

لا تعجبني هذه الفكرة، ولا أعتقد أن هذه هي الطريقة المناسبة لتطوير الذكاء الاصطناعي.

يمكننا أن نشارك في السباق بشكل جماعي، ولكن بصفتي عالماً وشخصاً يفضِّل التفكير في الصالح العام، فإني أعتقد أنه يجب أن نركز على كيفية بناء آلات أكثر ذكاء والحرص على استخدامها لصالح أكبر عدد ممكن من الأشخاص.

ألا توجد وسائل لتشجيع المزيد من التعاون بين البلدان في هذا المجال؟

يمكننا مثلاً أن نسهل من إمكانية وصول الناس من البلدان النامية إلى هنا، حيث إنها مشكلة كبيرة حالياً، فمن الصعب للغاية على باحث أفريقي في أوروبا أو الولايات المتحدة أو كندا أن يحصل على الفيزا، وإن محاولة الحصول عليها أشبه باليانصيب، وغالباً ما تلجأ السلطات إلى أي ذريعة حتى ترفض منحها، مما يجعله ضرباً من الإجحاف.

ويضاف إلى ذلك المصاعب التي يعانون منها في إجراء الأبحاث بموارد ضعيفة للغاية، مما يجعل الحرمان من التواصل مع الأوساط العلمية بشكل جيد ظلماً كبيراً. وللمساعدة على حل هذه المشكلة، قررنا عقد مؤتمر ICLR -وهو من المؤتمرات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي- لعام 2020 في أفريقيا.

ويجب أن تصبح شمولية الاشتراك في العمل أكثر من مجرد مصطلح للاستهلاك الإعلامي، حيث إن الفائدة المحتملة للذكاء الاصطناعي في البلدان النامية قد تكون أكثر بكثير من فائدته هنا، فهم في حاجة إلى تحسين التقنية أكثر منا، كما أن احتياجاتهم مختلفة.

هل تشعر بالقلق من هيمنة عدد قليل من الشركات في الغرب -وربما الصين- على حقل الذكاء الاصطناعي؟

أجل، وهو سبب آخر يدعونا إلى تدعيم الديمقراطية في أبحاث الذكاء الاصطناعي، فالبحث بحد ذاته يميل إلى زيادة تركيز النفوذ والأموال والباحثين لدى تلك الشركات، حيث يرغب أفضل الطلاب في الذهاب إليها، فهي لديها الكثير من الأموال، ومقادير هائلة من البيانات. إنها إذن ظاهرة مَرَضية تشبه الخطر الذي تتعرض له الديمقراطية عندما يتركز مقدار هائل من النفوذ في عدد قليل من الجهات.

هناك الكثير من الجدل حول استخدام الذكاء الاصطناعي لأهداف عسكرية. ما موقفك من هذه المسألة؟

أنا ضدها بقوة.

حتى لو استُخدمت لأغراض غير القتل؟

لا أرغب في منع هذا على أي حال، ولكنني أعتقد أنه يجب أن نضفي صفة لا أخلاقية على امتلاك الروبوتات القاتلة، يجب أن نغير الثقافة، وهذا يتضمن تغيير القوانين والاتفاقيات. ويمكننا أن نحقق الكثير بهذه الطريقة.

وبالطبع لن تستطيع منع هذا العمل تماماً، وسيقول البعض: "ستقوم دولة مارقة ما بتطوير هذه الأشياء". وردِّي على هذه العبارة يتألف من قسمين: الأول هو أنه يجب أن نجعل هذه الدولة تشعر بالذنب لقيامها بهذا العمل، والثاني هو أنه لا يوجد ما يمنعنا من بناء تكنولوجيا دفاعية. وهناك اختلاف كبير بين الأسلحة الدفاعية التي تقوم بإسقاط الطائرات المسيرة، والتكنولوجيا القتالية التي تستهدف البشر، ولكن يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الحالتين.

ألا يجب على خبراء الذكاء الاصطناعي العمل مع العسكريين لهذا الهدف؟

هذا جيد في حال كانوا يتمتعون بالقيم الأخلاقية الصحيحة، ولكنني لا أثق في المؤسسات العسكرية تماماً، لأنها تميل إلى تفضيل الواجب على الأخلاق، وأتمنى لو كان الوضع مختلفاً.

ما أكثر ما يثير حماستك في الأبحاث الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي؟

أعتقد أنه يجب أن نفكر في التحديات الكبيرة للذكاء الاصطناعي، ولا نكتفي بالتطورات التراكمية قصيرة الأمد. لا أقول إنني راغب في نسيان التعلم العميق، بل على العكس، فإني أرغب في استخدامه أساساً للبناء. ولكننا يجب أن نطوِّر قدراته حتى يتمكن من فعل أشياء مثل التفكير، وتعلم السببية، واستكشاف العالم من أجل التعلم وتحصيل المعلومات.

وإذا كنا فعلاً نسعى إلى الاقتراب من مستوى الذكاء البشري، فهذه مسألة مختلفة تماماً، وسنحتاج إلى استثمارات بعيدة الأمد، وأعتقد أن الوسط الأكاديمي هو المكان الأفضل للاضطلاع بهذه المهمة.

لقد ذكرت السببية، أي أن الذكاء الاصطناعي يجب ألا يقتصر على كشف الأنماط، بل يجب أيضاً أن يعرف سبب حدوث شيء ما. ما أهمية السببية ولماذا يصعب تحقيقها إلى هذه الدرجة؟

إذا كان لديك نموذج سببي جيد للعالم الذي تتعامل معه، فحينئذ يمكنك أن تقوم بالتعميم حتى في الأوضاع غير المألوفة، وهو أمر أساسي؛ حيث إننا نحن البشر نتمتع بالقدرة على وضع أنفسنا افتراضياً في أوضاع تختلف كثيراً عن حياتنا اليومية، في حين تعجز الآلات عن هذا لأنها لا تمتلك هذه النماذج السببية.

قد نستطيع تصميم هذه السببية بأنفسنا، ولكن هذا لا يكفي، بل نحتاج إلى آلات قادرة على اكتشاف النماذج السببية. وستعاني هذه النماذج على الدوام من بعض النقص، حيث إننا لا نمتلك نموذجاً مثالياً للواقع، ولهذا نرتكب الكثير من الأخطاء. ولكننا أفضل في هذا المجال من الكائنات الأخرى بكثير.

ولا توجد لدينا حالياً أية خوارزميات جيدة لهذا الغرض، ولكنني أعتقد أن من الممكن أن نحقق بعض التقدم إذا أعطينا الموضوع الأهمية التي يستحقها، وما يكفي من الباحثين للعمل عليه.