إذا كنت تعمل في شركة أو مؤسسة تعتمد على الخبرة المتراكمة، فالمعرفة ليست مجرد معلومات، فهي الأصل الأكثر قيمة، هنا يصبح حفظ المعرفة أمراً ذا أهمية كبيرة، لكن كيف نوثقها؟ وكيف ننظمها؟ وكيف نضمن الوصول إليها وقت الحاجة؟
في هذا المقال، سنأخذك في جولة عملية نشرح فيها أدوات حفظ المعرفة داخل الشركات والمؤسسات، من قواعد البيانات التقليدية التي تحفظ المعلومات المنظمة إلى أنظمة إدارة المعرفة المصممة خصيصاً لهذا الغرض، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي الذي يفهم السياق ويستخرج المعرفة من أعماق البيانات غير المنظمة.
اقرأ أيضاً: ما هي أدوات ذكاء الأعمال وما فائدتها؟
ما هو المقصود بحفظ المعرفة داخل المؤسسة؟
حفظ المعرفة داخل المؤسسة هو عملية جمع الخبرات والمعلومات التي تتولد داخل المؤسسة وتنظيمها وتوثيقها بهدف ضمان استمراريتها وتسهيل الوصول إليها عند الحاجة. لا يقتصر الأمر على تخزين الملفات أو البيانات، بل يشمل تحويل خبرة الموظفين والقرارات المتراكمة والدروس المستفادة إلى محتوى قابل للمشاركة والاستخدام. الهدف الأساسي هو منع ضياع المعرفة مع تغير الأفراد أو الفرق، وتحويلها إلى مورد تشغيلي يدعم التعلم والابتكار واتخاذ القرار.
أهم طرق حفظ المعرفة داخل المؤسسة
1. قواعد البيانات
قواعد البيانات تعد من الوسائل التقليدية التي تعتمد عليها المؤسسات لحفظ المعرفة بشكل منظم، فهي أشبه بمخزن رقمي ترتب فيه المعلومات بطريقة تسهل الوصول إليها لاحقاً، وتستخدم لتوثيق ما تنتجه المؤسسة كله من محتوى معرفي. تخزن هذه القواعد إما على خوادم داخلية في مقر المؤسسة وإما على خوادم سحابية تتيح الوصول عن بعد، حسب الإمكانات التقنية والسياسات المعتمدة.
المعرفة التي تحفظ في قواعد البيانات تأخذ أشكالاً متعددة مثل الوثائق الرسمية والتقارير والجداول والمراسلات والعروض التقديمية، وأحياناً الصور والفيديوهات. تنظم هذه البيانات داخل القواعد وفق تصنيفات محددة، مثل نوع المحتوى أو تاريخ الإنشاء أو القسم المسؤول أو الكلمات المفتاحية المرتبطة به. هذا التنظيم يهدف إلى تسهيل البحث والاسترجاع، وضمان عدم ضياع المعرفة مع تغير الموظفين أو مرور الزمن.
2. أنظمة إدارة المعرفة
أنظمة إدارة المعرفة هي أدوات أو منصات تستخدمها المؤسسات لتنظيم المعرفة وتبادلها بين الموظفين بطريقة تسهل الوصول إلى المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب. الفكرة منها ليس فقط تخزين المعلومات، بل تحويلها إلى معرفة قابلة للاستخدام والمساعدة على نشرها بين أفراد الفريق أو ضمن المؤسسة.
بعكس قواعد البيانات التي تركز على حفظ المعلومات بشكل منظم وثابت، فإن أنظمة إدارة المعرفة تهتم أكثر بكيفية مشاركة هذه المعلومات وتحديثها وربطها بالسياق العملي. فبدلاً من أن تكون المعلومة مجرد رقم أو وثيقة محفوظة، فإن نظام إدارة المعرفة يجعلها جزءاً من تجربة العمل اليومية.
الفرق الأساسي بين قواعد البيانات وأنظمة إدارة المعرفة هو أن قواعد البيانات مخصصة فقط لحفظ المعلومة، بينما أنظمة إدارة المعرفة تهدف إلى استخدامها. الأولى تشبه الأرشيف، أما الثانية فتشبه مكتبة تفاعلية بها موظفون يشرحون المحتوى ويطورونه باستمرار.
اقرأ أيضاً: نظم إدارة المعرفة للشركات: كيف تحول المعرفة إلى خبرة تنتقل بين الموظفين
3. الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي يعد من الاتجاهات الحديثة في حفظ المعرفة داخل المؤسسات، لكنه أثبت فاعليته في معالجة التحديات التي تعجز عنها الأساليب التقليدية السابقة. تكمن قوته في ثلاث مزايا رئيسية لكل منها أثر مباشر في تحسين إدارة المعرفة وتفعيلها عملياً:
استخلاص المعلومات وتوثيقها وحفظها بشكل تلقائي
الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تستطيع تحليل ما يقوم به الموظفون من أعمال يومية، مثل كتابة الرسائل وإعداد التقارير والمشاركة في الاجتماعات، ثم استخراج المعلومات المهمة من هذه الأنشطة دون الحاجة إلى تدخل يدوي. هذا يشمل المعرفة التي قد لا يدركها الأفراد أنفسهم مثل القرارات الضمنية أو الملاحظات المتكررة التي تظهر في سياق العمل. الذكاء الاصطناعي يحول هذه الإشارات إلى محتوى معرفي موثق، يخزن تلقائياً ويصنف حسب السياق، ما يمنع ضياعها ويجعلها متاحة عند الحاجة.
البحث في البيانات لاستخراج معلومات مفيدة لكل حالة
بدلاً من الاعتماد على كلمات مفتاحية أو تصنيفات جامدة، يستطيع الذكاء الاصطناعي فهم السياق الكامل لطلب المستخدم، والبحث في كم هائل من البيانات لاستخراج ما يناسب الموقف تحديداً. على سبيل المثال، إذا طلب أحد الموظفين معلومات عن مشروع سابق مشابه لمشروع يعمل عليه حالياً، فإن الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بعرض الملفات التي تحمل الاسم نفسه، بل يستخرج التقارير والملاحظات والمراسلات التي قد تفيده، حتى لو لم تكن مصنفة لهذا الغرض. هذا النوع من البحث السياقي يوفر الوقت ويزيد دقة الوصول إلى المعرفة المطلوبة.
التعلم من البيانات التاريخية لاستخلاص معرفة جديدة
الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بتخزين المعلومات، بل يحلل الأنماط المتكررة في البيانات السابقة، ويستنتج منها قواعد أو توصيات يمكن تطبيقها في المستقبل. على سبيل المثال، إذا لاحظ النظام أن نوعاً معيناً من المشاريع يواجه مشكلات متكررة في مرحلة معينة، يستطيع اقتراح إجراءات وقائية أو تنبيهات عند تكرار الظروف نفسها. هذا النوع من التعلم التراكمي ينتج معرفة جديدة لم تكن موثقة أو معروفة من قبل، ويمنح المؤسسة قدرة على التنبؤ واتخاذ قرارات أكثر ذكاءً في المواقف المعقدة أو غير المألوفة.
بهذه المزايا الثلاث، يتحول الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة تقنية إلى شريك معرفي فعال، يسهم في بناء ذاكرة مؤسسية متجددة تتطور باستمرار وتتكيف مع الأعمال.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الأتمتة على إدارة الأعمال والموظفين؟
أهمية تعزيز ثقافة توثيق المعرفة
إن تعزيز ثقافة توثيق المعرفة داخل المؤسسة ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو استثمار طويل الأمد في استقرار الأداء واستمرارية التعلم. حين تصبح عملية التوثيق جزءاً من السلوك اليومي للفرق، تتحول المعرفة من كونها مرتبطة بالأفراد إلى مورد مؤسسي مشترك يمكن الرجوع إليه وتطويره باستمرار. هذه الثقافة تضمن ألا تضيع الخبرات مع تغير الموظفين أو انتقالهم، وتسهم في تسريع تدريب الموظفين الجدد واتخاذ القرار وتوفير الوقت وتفادي تكرار الأخطاء.