لماذا يعد إيقاف أبحاث التعديل المناخي الشمسي خطوةً غير محسوبة النتائج؟

5 دقائق
التعديل المناخي الشمسي
حقوق الصورة: غيتي إيميدجيز

منذ فترة، حضرت لقاء الاتحاد الأميركي الجيوفيزيائي في نيو أورليانز، حيث اجتمع 26 ألف عالم أميركي من المختصين بعلوم الكرة الأرضية شخصياً وافتراضياً لمشاركة أحدث ما توصلت إليه علوم الأرض والمناخ. وقد بلغ عدد الحاضرين الراغبين بالتحدث حول أبحاث عن التعديل المناخي الشمسي –أي فكرة عكس جزء من ضوء الشمس الوارد لتبريد الكوكب- نحو المئة شخص.  

مجال فقد حيويته

وعلى عكس الاعتقاد الشائع، فإن الأبحاث في هذا المجال فقدت حيويتها، فهي تراوح في مكانها تقريباً منذ عدة سنوات. لقد رأيت أمهات مع هالات سوداء تحت العيون وهن يتحدثن على زوم مع غرف مؤتمرات شبه فارغة. كما أتى علماء من المركز الوطني لأبحاث المناخ في ميسا جنوب بولدر، كولورادو، لمشاركة تحديثات حول نمذجة بعض السيناريوهات، وبعد عدة أسابيع، تمكن نفس المركز من قياس رياح تهب بسرعة 145 كيلومتراً في الساعة في عاصفة نارية أدت إلى القضاء على أحياء الضواحي. وفي جلسة تدقيق، رأيت نفس المرأة التي رأيتها في اجتماع للاتحاد منذ خمس سنوات، وهي تنتظر لتخبر أي شخص حول فكرتها لحماية الجليد القطبي باستخدام كريات ميكروية زجاجية جوفاء. وفي هذه الأثناء، وعلى بعد صف مقاعد واحد في منطقة مختصي الغلاف الجليدي، كان العديد من الأشخاص متراصين كتفاً إلى كتف، على الرغم من الوباء، حتى يستمعوا إلى تحديثات انهيار كتل "يوم القيامة" الجليدية.

هذا هو سياق الاتفاقية الدولية لعدم استخدام التعديل المناخي الشمسي، والذي اقترحته مجموعة من أكثر من 60 عضواً من كبار الأكاديميين منذ فترة وجيزة. ويقولون إن هذه التكنولوجيا غير قابلة للإدارة بشكل عادل، وتمثل "مخاطر غير مقبولة".

قد يبدو اتفاق ينص على عدم استخدام التعديل المناخي الشمسي أمراً جيداً للوهلة الأولى. وبالفعل، فيجب أن نجمد استخدام هذه الفكرة، بما أن المفهوم ما زال نظرياً وبعيداً عن النضج، ولا يوجد لدينا ما يكفي من المعلومات العلمية لفهم ما يمكن أن يؤدي إليه عكس ضوء الشمس من نتائج تؤثر على الأنظمة البيئية والمناخ والأنظمة البشرية. كما أن فكرة التوقف هذه بحد ذاتها ليست جديدة، فقد اقترح بعض الباحثين الكبار تجميداً مشابهاً منذ نحوعشر سنوات في مجلة "ساينس" (Science). كما يجب أن نقوم أيضاً بحظر منح براءات اختراع لهذه التكنولوجيات، كما تشير الاتفاقية الجديدة. 

اقرأ أيضاً: حيلة بسيطة بشكل مرعب تسمح لأي شخص بالعبث بالمناخ

تثبيط متعمد للأبحاث في هذا المجال

ولكن مشكلة هذا الاقتراح أنه لا يميز بشكل جيد بين الأبحاث والتطوير والتطبيق. وتبدو أقرب إلى محاولة شبه واضحة (بل وربما فجة الوضوح) لتثبيط الأبحاث حول هذا الموضوع. ففي السنة الماضية، كتب المؤلفون رسالة إلى مجلة "نيتشر" (Nature) معترضين على مقالة تحمل اسم "Give research on solar geoengineering a chance" (أي: لنمنح أبحاث التعديل المناخي الشمسي فرصة). وقد لخصوا موقفهم بالاعتراض التالي: "نحن ندعو الحكومات ووكالات التمويل إلى إيقاف تطبيع أبحاث تكنولوجيات التعديل المناخي الشمسي للكوكب". 

إن اتفاقية عدم الاستخدام لا تحظر بشكل واضح "الأبحاث المناخية الحقيقية". بل تدعو إلى الالتزام بحظر التجارب الخارجية، ومنع وكالات التمويل الوطنية من "دعم تطوير" تكنولوجيات التعديل المناخي الشمسي، سواء على المستوى المحلي أو عبر المؤسسات الدولية. وتقول الاتفاقية إن البلدان يجب أن "تعترض على لجوء المؤسسات في المستقبل إلى التعديل المناخي الشمسي كخيار سياسي في المؤسسات الدولية الهامة، بما في ذلك تقييمات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ". وبهذا، لن نتمكن من معرفة تقييم الكتلة الهامة من العلماء الدوليين لهذا العمل العلمي. 

اقرأ أيضاً: حل ثوري يمكن أن ينقذ صفيحة «يوم القيامة» الجليدية

ما هو الهدف الحقيقي للوقوف في وجه أبحاث التعديل المناخي الشمسي؟

ما هو الهدف الحقيقي؟ ليس الهدف هنا بناء المعرفة أو التشجيع على تبادل الآراء، بل جعل البحث في هذا المجال أمراً بغيضاً. ويقدم المؤلفون رؤية مفصلة لما يرغبون بحدوثه، حيث تعبر المنظمات الخيرية عن دعمها لسياسة عدم الاستخدام، وتعلن عن رفضها لتمويل تطوير تكنولوجيات التعديل المناخي الشمسي. وستقوم الجامعات والهيئات العلمية والمنظمات المدنية والبرلمانات وغيرها بإعلان دعمها العلمي لاتفاقية عدم الاستخدام الدولية. والنتيجة؟ "سيؤدي كل هذا إلى جعل هذه التكنولوجيات خياراً غير جذاب، وبشكل متزايد، لأي مجموعة بحثية جادة، بما في ذلك البلدان التي قد لا توقع على اتفاقية عدم الاستخدام على الفور".  

وباختصار، تقوم الفكرة على بناء ضغط اجتماعي هائل يبعد أي مجموعة بحثية جادة عن مجرد التفكير بتخصيص أي وقت لأبحاث التعديل المناخي خوفاً من الانتقادات. كما أن الهيئات الخيرية والوكالات الحكومية ستتردد في تمويل هذه الأبحاث لنفس السبب.  

ولكن هذا قد يمثل مشكلة، لأن التعديل المناخي الشمسي قد يؤدي في الواقع إلى نتائج إيجابية. فيمكن للتعديل المناخي الشمسي أن يحدث تغييراً واضحاً في حرارة الكوكب المرتفعة، بل ويمكن حتى أن يؤدي إلى عكس بعض الآثار السلبية الهامة، مثل تراجع إنتاجية المحاصيل وارتفاع وتيرة تشكل العواصف والأعاصير. نحن لا ندري ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الطرق بالفعل. ولكن هناك حاجة بشرية حقيقية تدعو إلى تعلم المزيد حول هذا الموضوع، حتى لو أدت هذه الأبحاث إلى اكتشاف سلبيات كثيرة تتفوق على الإيجابيات. 

إن الضغوط الاجتماعية الهائلة الرامية إلى إيقاف أبحاث التعديل المناخي الشمسي لن تعني على الإطلاق إيقاف هذه الأبحاث، بل ستعني أن الباحثين الذين يتسمون بالشفافية قد يوقفون نشاطهم، وأن الذين سيتابعون هذا العمل سيكونون أقل اكتراثاً بالمخاوف العامة، وسيحصلون على الدعم من جهات لا تكترث بالرأي العام –مثل الجهات الخاصة أو ربما الجهات العسكرية- وقد لا نسمع بالنتائج على الإطلاق. كما أن الأنظمة الأوتوقراطية ستتمكن من احتلال الصدارة في هذا المجال، وربما قد نضطر في المستقبل للاعتماد على الخبرات التي اكتسبتها إذا لم ننجح في التخلي عن الوقود الأحفوري. وقد يكون العلماء في البلدان النامية –وهم يعانون مسبقاً من ضعف الإمكانات الذي يحرمهم من المشاركة في هذه الأبحاث- أقل قدرة حتى على هذا العمل إذا توقفت المؤسسات الدولية والخيرية عن تقديم التمويل.  

اقرأ أيضاً: إحدى التجارب الأولى من نوعها في الهندسة المناخية على وشك الانطلاق

دعم أبحاث التعديل المناخي الشمسي قد يحمل في طياته فوائد عديدة

يحتاج التعديل المناخي الشمسي إلى تمويل عام عبر الوكالات العلمية الوطنية. وهو ما يمكن أن يساعد على ضمان عدة أمور هامة، فقد يحافظ على وجود إشراف عام على الأبحاث، ويسمح بتصميم برامج بحثية يشارك فيها علماء الاجتماع وخبراء الحوكمة منذ البداية، ما ينتج أبحاثاً عابرة للتخصصات بطابع نقدي جاد يحتاجه هذا الموضوع. إضافة إلى ذلك، يمكن توجيه التمويل العام لتشجيع التعاون العلمي العالمي. وعلى سبيل المثال، فإن أحد الأبحاث المقدمة في اللقاء المذكور أعلاه كان يتمحور حول دراسة آثار التعديل المناخي الشمسي على إنتاجية المحاصيل، وقد شارك في هذا البحث باحثون من النرويج والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والصين. ونحن نرغب باستمرار هذا النوع من التعاون، لا تثبيطه. 

أما الأمر الأكثر أهمية على الأرجح، فهو أن وكالات التمويل الوطنية يمكن أن توجه برامج الأبحاث لدراسة الأخطار والفوائد الكامنة بشكل شامل، بحيث تضمن رصد أي مشاكل يمكن أن تقع. ودون هذه المقاربة المنهجية، فإن ما يُنشر سيكون عبارة عن سلسلة متقطعة من الدراسات التي تظهر فقط أفضل النتائج، ما يعطي صورة إيجابية مبالغاً فيها وغير واقعية حول التعديل المناخي الشمسي. هل هذه الدراسة حول إنتاجية المحاصيل جيدة؟ ما النواحي التي أهملتها؟ للعثور على الإجابات، نحن بحاجة إلى زيادة الدراسات، لا تقليلها، ونحن بحاجة إلى هيئات إشراف مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لتقييمها بصورة شاملة. 

اقرأ أيضاً: علماء ومصورون يتعاونون على إظهار سرعة تفاقم التغير المناخي

تعاون بحثي مطلوب لمواجهة التغير المناخي.. لا إقصاء وتثبيط

ليس هناك من عالم يشعر بالسرور إزاء فكرة التعديل المناخي الشمسي، ولكننا سنحتاج إلى سيل متواصل ومستمر من الخبراء المفكرين الذين يفهمون مسائل العلم والحوكمة في نفس الوقت. وإذا قمنا بتثبيط الرغبة بتطوير هذه الخبرات، فقد تكون النتائج سيئة. 

تحتاج المعرفة العلمية الجيدة إلى عدة سنوات لتطويرها. وإذا أجلنا الأبحاث حتى ثلاثينيات هذا القرن، فقد نجد أنفسنا في عالم تمكن من تحقيق درجات متفاوتة من التقدم في مجال تخفيف انبعاثات غازات الدفيئة، ولكن ليس بما يكفي، مع تواصل تزايد الاحترار وصولاً إلى 3 درجات مئوية. وعندها، يستحيل أن نأمل بإنتاج معرفة علمية راسخة ومتماسكة على حين غرة لمساعدتنا على استيعاب إمكانية استخدام التعديل المناخي الشمسي. وكبداية، يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ بتوصية حسنة الصياغة من لجنة الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب، والتي تعاملت مؤخراً مع هذه المسألة، وتبدأ بتمويل برنامج بحثي متواضع وحذر منذ الآن. 

المحتوى محمي