لقد تحول هاتفي إلى امتداد لذراعي عملياً في هذه المرحلة من حياتي. وأصدقكم القول، لدي مشاعر متضاربة إزاء هذه العلاقة، وهي ليست نابعة من قلقي حيال تأثير استخدام الإنترنت طوال الوقت على خلايا دماغي فقط.
وكما تعرفون على الأرجح، فإن بطاريات الليثيوم أيون هي مصدر الطاقة المعتمد في معظم الأجهزة الإلكترونية الشخصية حالياً. ويمكن أن يؤدي التنقيب عن المواد المستخدمة في تلك البطاريات إلى درجات عالية من التلوث، إضافة إلى الظروف المؤذية للعمال. وقد بدأت هذه المشكلات جميعها تتفاقم مع البدء باستخدام الليثيوم وغيره من المواد في السيارات الكهربائية أيضاً، لا في الهواتف والحواسيب المحمولة فقط.
ولكن ثمة بعض الأخبار السارة، وقد كتبتُ عنها من قبل، فقد ازداد عدد المجموعات التي تعمل على ضمان إعادة تدوير البطاريات، وقد بدأ بعضٌ من هذه المشاريع يتحول إلى توجه عام.
حيث أعلنت آبل (Apple) مؤخراً أن بطارياتها ستعتمد على الكوبالت المعاد تدويره بنسبة 100% بدءاً من عام 2025. وأعتقد أن هذا الإعلان يكشف الكثير عن المرحلة التي وصلت إليها صناعة إعادة تدوير البطاريات وعن توجهها المستقبلي.
اقرأ أيضاً: الرئيس السابق لقسم التكنولوجيا في تسلا: إليكم توجهات إعادة تدوير البطاريات
آبل وإعادة التدوير
من الواضح أن صناعة الهواتف والحواسيب تتطلب مجموعة كبيرة من المواد، ولهذا فإن إعلان آبل حول إعادة التدوير لا يتعلق بالكوبالت فقط. فقد قالت الشركة أيضاً إنها تخطط، بحلول عام 2025، لاستخدام العناصر الأرضية النادرة المعاد تدويرها في المغانط (مثل المغانط التي تساعد ساعتك وهاتفك الذكيين على عملية الشحن اللاسلكي)، إضافة إلى المواد المعاد تدويرها في عمليات اللحام بالقصدير والطلاء بالذهب لتصنيع لوحات الدارات الإلكترونية.
إلا أنه ربما ليس من قبيل المصادفة أن يكون الكوبالت هو العنصر الرئيسي في إعلان آبل. فقد تحول هذا المعدن إلى رمز لجميع الأضرار المحتملة التي يمكن أن تنتج عن عمليات التنقيب في إطار اقتصاد الطاقة النظيفة. يُعد الكوبالت أحد المكوّنات الرئيسية في بطاريات الليثيوم أيون، ويتم التنقيب عنه حالياً في جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكلٍ رئيسي، حيث يرتبط هذا العمل بانتهاكات حقوق الإنسان بعدة أوجه، مثل العمل القسري. وثمة مقال طويل يعود إلى 2021 في صحيفة نيويوركر (New Yorker) عن هذا الموضوع، إضافة إلى كتاب جديد، إن كنتَ راغباً بالاطلاع على المزيد من التفاصيل.
اقرأ أيضاً: روبوت يبحث في القمامة ويميِّز المواد القابلة لإعادة التدوير عن غيرها
وحتى عام 2022، كانت آبل تستخدم الكوبالت المعاد تدويره بنسبة 25% تقريباً في بطارياتها، لتسجل ارتفاعاً عن العام السابق حيث بلغت النسبة فيه 13%. وكما يوضّح البيان الصحفي الجديد، في غضون سنوات قليلة فقط، ستكون كميات الكوبالت المستخدمة في "جميع البطاريات التي تصممها آبل" بأكملها مستمدة من مصادر معاد تدويرها. ومن الجدير بالذكر أنني حاولت التواصل مع آبل للاستفسار عن الحجم الإجمالي لهذه الكمية من الكوبالت، إضافة إلى بضع أسئلة أخرى حول هذا الخبر. ولكن الشركة لم ترد على أسئلتي حتى الآن.
قررت أن أتعمق في دراسة هذا الإعلان بسبب مسألة صادفتها في تقاريري السابقة حول إعادة تدوير البطاريات، وهي عدم وجود ما يكفي من البطاريات القديمة التي تخضع لإعادة التدوير لتلبية الطلب على المواد المعاد تدويرها.
حلقة مغلقة
عند طرح موضوع المواد المستخدمة في مجال الطاقة النظيفة، يتحدث الكثيرون عن "الاقتصاد الدائري" حيث يمكن استخدام بطاريات السيارات الكهربائية القديمة لصنع بطاريات جديدة، دون استخدام أي مواد ناتجة عن عمليات تنقيب جديدة (أو استخدامها بنسبة ضئيلة للغاية). وحتى يحدث هذا، يجب أن يكون عدد البطاريات القديمة التي تخضع لإعادة التدوير مساوياً تقريباً لعدد البطاريات الجديدة التي يتم صنعها حالياً. ولكن، ليس هذا ما يحدث على الإطلاق.
إن لم تكن على دراية بما يجري، فقد بدأت السيارات الكهربائية تنتشر على نطاق واسع وعلى نحو متزايد. وفي 2017، كانت نسبة السيارات الكهربائية بين السيارات الجديدة المبيعة على مستوى العالم تتجاوز 1% بقليل. وبعد خمس سنوات وحسب، في 2022، ارتفعت هذه النسبة إلى ما يقارب 13%، وذلك وفقاً للوكالة الدولية للطاقة. ومن المرجّح أن نشهد زيادة سنوية لعدد السيارات الكهربائية على الطرقات لفترة من الوقت، لا سيما مع إقرار قوانين وسياسات جديدة لدعم السيارات الكهربائية في العديد من البلدان حول العالم.
تمثّل الزيادة السريعة في عدد السيارات الكهربائية خبراً رائعاً بالنسبة لجهود مواجهة التغيّر المناخي، ولكنها تتسبب ببعض المتغيرات الصعبة لعمليات إعادة تدوير البطاريات.
اقرأ أيضاً: العوامل المؤثرة في إعادة تدوير الهواتف الذكية في الإمارات
فقد تدوم البطاريات أكثر من عشر سنوات ضمن السيارة، ويمكن أن تتابع عملها فترة أطول عند وضعها ضمن وحدة ثابتة لتخزين الطاقة. ومن ثم، فإن بطارية السيارة الكهربائية لن تكون جاهزة لإعادة التدوير قبل 15 سنة على الأقل، في معظم الحالات. وإذا عدنا بالزمن 15 سنة إلى الوراء، كانت سيارة تسلا رودستر قد دخلت مرحلة الإنتاج في 2008، وأنتجت الشركة في ذلك الوقت بضع مئات وحسب من السيارات سنوياً في أول بضع سنوات. وباختصار، فإن عدد السيارات الكهربائية التي ستُحال إلى التقاعد بسبب التقادم لن يكون كبيراً، وسيبقى الوضع على حاله لبعض الوقت.
ولهذا، ومع التضخم المتسارع لسوق السيارات الكهربائية، سنشهد نقصاً في المواد المعاد تدويرها. وإذا رغب جميع منتجي السيارات الكهربائية والهواتف في الاقتصار على الكوبالت المعاد تدويره فقط، على سبيل المثال، لن يكون هناك ما يكفي من هذه المادة للجميع.
يشهد إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية فترة ازدهار كبيرة، فمن الممكن أن يزيد الإجمالي العالمي من بطاريات الليثيوم أيون التي تم إنتاجها للسيارات الخفيفة على 12 مليون طن متري بحلول 2030. وفي هذه الأثناء، ستبلغ كمية البطاريات المتاحة لإعادة التدوير، والتابعة للنوع نفسه من السيارات، أقل من 200,000 طن متري بحلول ذلك التاريخ.
ويقول مدير شركة الاستشارات المختصة بإعادة تدوير البطاريات سيركيولار إينرجي ستوراج (Circular Energy Storage)، هانز إريك ميلين، إنه على الرغم من هذا الفارق الضخم، فمن المرجّح أن تتمكن آبل من الإيفاء بتعهدها المتعلق بالكوبالت المعاد تدويره لبضعة أسباب.
ويتلخص أحد هذه الأسباب بأن الأجهزة المحمولة كانت تعمل ببطاريات الليثيوم أيون منذ عدة عقود. وبفضل كاميرا تسجيل الفيديو التي استخدمها الآباء، وهاتف موتورولا ريزر القابل للطي من عام 2006، وغيرها من الأجهزة، ثمة كمية معقولة على الأقل من الكوبالت المعاد تدويره في الأسواق حالياً.
كما أن الجدوى الاقتصادية لاستخدام المواد المعاد تدويرها متباينة للغاية بين الأجهزة الشخصية والسيارات. فمن الممكن أن تصل تكلفة بطارية السيارة الكهربائية إلى ما يقارب 40% من التكلفة الإجمالية للسيارة بسبب حجمها، على حد تعبير ميلين. ولكن هذا لا ينطبق على الأجهزة الإلكترونية، مثل الهاتف، ولهذا فقد تتمكن شركة مثل آبل، على الأرجح، من دفع تكلفة إضافية للمواد المعاد تدويرها دون التأثير على سعر الجهاز بأكمله.
اقرأ أيضاً: اكتشاف فطريات تفكك البلاستيك الذي لا يعاد تدويره خلال أشهر
أي أن هاتف آيفون الذي سيكون في حوزتك في 2025 (الذي قد يحمل اسم آيفون 17 وفقاً لحساباتي) قد يكون مصنوعاً باستخدام الكوبالت من مصادر معاد تدويرها. أمّا السيارات فقد تحتاج إلى المزيد من الوقت. فبطارياتها أكثر ضخامة، ثم إن البطاريات القديمة المتاحة لإعادة التدوير أقل عدداً. ولكننا نتجه رويداً رويداً نحو عالم نصبح فيه أكثر قدرة على إعادة استثمار المزيد من المواد المستعملة في التكنولوجيات التي نعرفها ونحبها.